الانتخابات التشريعية التاريخية في سوريا: النساء لا يزلن يواجهن عقبات انتخابية

الرهان على بناء نظام سياسي شامل يكفل المساواة ويضمن تمثيل جميع المكونات.
السبت 2025/09/20
ضغوط لزيادة حصة النساء في القوائم النهائية

ستشهد سوريا ما بعد الأسد انتخابات الجمعية التشريعية الانتقالية، لكن هل سيكون للنساء دور فيها حيث أنهن لا يزلن يواجهن صعوبات في المشاركة في الحياة السياسية، ويقول المراقبون إن نجاح التجربة رهين بإعطاء النساء دورا أكبر في العملية السياسية من خلال تمثيلهن بنسب أعلى مما كانت عليه زمن الأسد.

دمشق - يقف السوريون على أعتاب محطة مفصلية جديدة في مسار انتقال البلاد بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد العام الماضي، مع اقتراب استكمال عملية انتخاب جمعية تشريعية انتقالية عبر آلية انتخابية غير مباشرة، من المتوقع أن تنتهي بحلول نهاية سبتمبر.

وتقول الباحثة ماري فوريستير في تقرير نشره المجلس الأطلسي إن أهمية هذه الخطوة تكمن في أن البرلمان الجديد، بولاية تمتد لعامين ونصف قابلة للتجديد بموجب الإعلان الدستوري الصادر في مارس، سيحمل على عاتقه مهمة إقرار القوانين التي سترسم معالم إعادة الإعمار وتحدد الاتجاهات السياسية والاجتماعية للدولة الجديدة، ما يجعل ضمان تمثيل جميع مكونات المجتمع السوري، وفي مقدمتها النساء، شرطا أساسيا لإنجاح التجربة.

ووضع الإطار الانتخابي حدا أدنى لتمثيل النساء لا يقل عن 20 في المئة من مجموع اللجان الانتخابية، وهو ما أعاد فتح النقاش حول موقع المرأة في صنع القرار السياسي بسوريا.

وتكشف المقارنة مع عهد بشار الأسد فجوة واضحة: فقد تراوحت نسبة النساء في البرلمان بين 10 و12 في المئة بين عامي 2007 و2022، فيما لم تتجاوز مشاركتهن في المجالس المحلية 2 في المئة عام 2011 قبل أن ترتفع إلى 11 – 12 في المئة فقط بحلول 2022. ويوضح هذا الضعف التاريخي عمق التحديات التي تواجه المرأة السورية في المجال السياسي.

رغم وجود "كوتا" 20 في المئة، فإنها مطبقة على مجموع اللجان وليس على كل لجنة أو هيئة على حدة، ما يقلل من فعاليتها

ومنذ سقوط النظام، لم تسجل مشاركة النساء سوى تقدم محدود، حيث ضمت الحكومة السورية وزيرة واحدة فقط، بينما اقتصرت مشاركة النساء في لجنة التحضير للحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور على امرأتين من أصل سبعة أعضاء (30 في المئة).

ومع ذلك، شهد مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في دمشق فبراير 2025 مشاركة نسائية تراوحت بين 20 و25 في المئة، في مؤشر على إمكانية تحسن نسبي في حضورهن ضمن الأطر الانتقالية.

لكن العوائق الاجتماعية والسياسية لا تزال حاضرة بقوة. فالتقاليد المحافظة والنظرة الدونية لدور المرأة في السياسة مثّلتا حاجزا طويل الأمد، حتى في ظل مشاركتها النشطة في ثورة 2011 وأثناء سنوات الحرب.

وأشارت ناشطات سوريات إلى أن شرط الانضمام إلى حزب البعث سابقا والخوف من الارتباط بفساد النظام جعلا الكثير من النساء يترددن في دخول العمل السياسي. ومع ذلك، تبدو المرحلة الانتقالية فرصة نادرة لتجاوز هذا الإرث، رغم المقاومة المتوقعة من القوى المحافظة.

وتكمن المعضلة الأبرز في آلية الانتخابات غير المباشرة، التي تميل بطبيعتها إلى إضعاف فرص النساء. فاللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب أنشأت لجانا فرعية في 62 دائرة انتخابية لم تتجاوز نسبة النساء فيها 11 في المئة (20 امرأة من أصل 179 عضوا).

وتعيّن هذه اللجان بدورها هيئات انتخابية مكونة من 50 عضوا لكل مقعد، ليقوم نحو 6 آلاف عضو بانتخاب 120 نائبا.

وأما الـ140 مقعدا المقررة، فقد جرى تأجيل التصويت على بعضها في السويداء وأجزاء من الرقة والحسكة بسبب المخاوف الأمنية.

ويضاف إلى ذلك أن الرئيس السوري أحمد الشرع سيعيّن ثلث الأعضاء (70 نائبا) بشكل مباشر، ما يفتح الباب أمام سلطة تقديرية واسعة.

وتشير الدراسات إلى أن الأنظمة الانتخابية ذات الأغلبية تضعف حظوظ النساء مقارنة بالتمثيل النسبي.

رهان كبير
رهان كبير

ولذا تواجه النساء تحديات متراكبة: أولا ضمان وجودهن ضمن الهيئات الانتخابية التي تتكون ثلثها من الأعيان (معظمهم رجال) والبقية من الأكاديميين والمهنيين، ثانيا تقديم أنفسهن كمرشحات وسط هذه النخب، وثالثا الفوز بأغلبية الأصوات داخل الهيئات. ويضاعف هذا التعقيد صعوبة مشاركة النساء، خصوصا المنتميات إلى الأقليات.

وعلى الرغم من النص على “كوتا” 20 في المئة، فإنها مطبقة على مجموع اللجان وليس على كل لجنة أو هيئة على حدة، ما يقلل من فعاليتها.

ولهذا أطلقت منظمات المجتمع المدني حملة تطالب برفع الحصة إلى 30 في المئة في جميع مستويات العملية الانتخابية، معتبرة أن ضمان حضور النساء بشكل متوازن شرط لإرساء شرعية انتقالية حقيقية.

ورغم تأكيد بعض المسؤولين السوريين في جلسات خاصة أن تعيين الرئيس لثلث أعضاء الجمعية قد يستخدم لسد الفجوات، إلا أن هذه الآلية الغامضة لا تمثل حلا مستداما. فغياب الشفافية يعيد إنتاج المخاوف من تهميش النساء مرة أخرى.

وإقليميا، تمثل النساء في المتوسط 17.7 في المئة من أعضاء البرلمانات العربية. وقد لجأت عدة دول مثل العراق ومصر والسعودية والأردن إلى أنظمة الحصص بنسب تتراوح بين 14 و50 في المئة.

وتظل تجربة الإمارات الأكثر تطورا، إذ أصدرت عام 2019 مرسوما يمنح النساء 50 في المئة من مقاعد البرلمان، بعد أن كانت غائبة تماما عن المجلس عام 2006. وتوضح هذه المقارنات الإقليمية أن الطريق أمام سوريا لا يزال طويلا، لكنه ليس مستحيلا.

وتشمل الخطوات الممكنة لتعزيز فرص النساء: توسيع حملات التوعية حول آليات الانتخاب وتشجيع النساء على الانضمام إلى الهيئات الانتخابية، الضغط لزيادة حصتهن في القوائم النهائية، وتكثيف الحملات التوعوية لأعضاء الهيئات بشأن أهمية التمثيل العادل.

ورغم ضيق الوقت، إلا أن الرهان على بناء نظام سياسي شامل يكفل المساواة ويضمن تمثيل جميع المكونات، يظل عاملا حاسما في نجاح المرحلة الانتقالية وضمان سلام مستدام في سوريا.

3