الاحتجاج النقابي في تونس: ليّ ذراع مؤقت أم مؤشر على التصعيد
العلاقة بين اتحاد الشغل والحكومة تتسم بالبرود الكامل في السنوات الأخيرة وتجنب أي اشتباك، لكن المنظمة النقابية عادت بشكل مفاجئ وقوي من خلال إقرار إضراب بثلاثة أيام في قطاع النقل ما خلق أزمة وردود فعل غاضبة، ما يثير التساؤل حول الهدف منه، هل هو لفت لنظر السلطة أم تصعيد جدي. وأوضح الاتحاد في بيان تنديد له، بأن الاعتداء يأتي بعد حملات تجييش من أنصار الرئيس قيس سعيد منذ فترة ردا على تحركات نضالية في عدة قطاعات بما في ذلك الدفاع عن الحريات العامة والفردية.
تونس- أثار إضراب عمال النقل بالعاصمة تونس ومدن أخرى لثلاثة أيام تساؤلات بشأن دوافع وأهداف التصعيد النقابي الذي جاء عقب هدوء طويل منذ إجراءات رئاسية في 25 يوليو 2021 ساندها الاتحاد العام التونسي للشغل، وتراجع لاحقا عن دعمها.
وأثار الإضراب غضبا شعبيا واسعا ضد المنظمة النقابية في ظل اتهامات موجهة لها بإرباك الحياة العامة لحسابات سياسية وتوجيه رسائل للسلطة عبر خلق أزمة نقل حادة عانى منها المواطنون دون غيرهم. وخلق الإضراب حالة من التوتر في الواقع وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي شهدت حملة كبيرة على اتحاد الشغل ظهرت نتائجها على الأرض من خلال التظاهر أمام مقره يوم الخميس.
ورفع العشرات من المحتجين شعارات ضد الاتحاد وأمينه العام نورالدين الطبوبي مطالبين الحكومة بفتح ملف الاتحاد، في إشارة إلى التحقيق في سجله المالي، وردد البعض شعارات من بينها “الشعب يريد تجميد الاتحاد” في خطوة يقول مراقبون إنها قد تؤشر إلى تصعيد مع نهاية الصيف وبداية الخريف مع عودة التلاميذ والطلاب وانقضاء فترة الإجازات.
محمود بن مبروك: احتقان غير مسبوق في الشارع ضد إضراب النقل
ولوّح الاتحاد بسلسلة من الإضرابات في قطاعات مختلفة، لكن يرجّح أنه لن ينفّذها كلها، وأن يكون الأمر مجرد ضغط ورسالة إلى السلطة إلى أن الاتحاد ما يزال قادرا على تحريك الإضرابات.
وفي 29 يوليو الماضي، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، تنفيذ إضراب شامل في قطاع النقل البري لمدة 3 أيام (30 و31 يوليو و1 أغسطس 2025)، بعد فشل مفاوضات مع الحكومة بشأن مطالب نقابية.
وفي اليوم الأول للإضراب، قال الأمين العام المساعد باتحاد الشغل صلاح الدين السالمي، في تصريحات إعلامية، إن “الإضراب متواصل حتى تحقيق المطالب المشروعة لأعوان (عمال) النقل”.
وأبدى السالمي “استعداد النقابة لاستئناف التفاوض مع الحكومة في أيّ وقت من أجل التوصل إلى اتفاق”.
ويحتج عمال النقل البري على “تدهور ظروف العمل وغياب أدنى معايير السلامة المهنية،” وفق بيان للاتحاد.
وقالت الجامعة العامة للنقل التابعة للاتحاد، في 31 يوليو، إن “الإضراب في يومه الثاني سجل نجاحا باهرا وأنه سيتواصل”.
كما أقرت الهيئة الإدارية للجامعة العامة للتعليم الأساسي، في 2 أغسطس، عدة تحركات من أجل مطالبها الاجتماعية، منها تنفيذ يوم غضب في الأسبوع الأخير من أغسطس الجاري وإضرابا عاما يوم 7 أكتوبر المقبل.
وتتزامن عودة روح الاحتجاج إلى أكبر نقابة تونسية مع ارتفاع لأسعار منتجات أساسية.
ويعاني قطاع النقل في تونس منذ سنوات من تراجع كبير في مستوى الخدمات، بسبب تراكم الديون وتقادم الأسطول، إلى جانب ارتفاع كلفة الأجور، في ظل أزمة اقتصادية حادة تعاني منها البلاد صعّبت جهود إنعاش هذا القطاع الحيوي.
يذكر أن المنظمة النقابية دعمت قرارات قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021 عندما جمد اختصاصات البرلمان ثم حل الهيئات الدستورية والنظام السياسي، لكنها احتجت لاحقا على ما اعتبرته تخليه عن أي “سياسة تشاركية” في قيادة البلاد.
عرقلة الاقتصاد
قال محمود بن مبروك، أمين عام حزب مسار 25 يوليو (مساند للرئيس قيس سعيد) للأناضول، إن نشاط الاتحاد العام للشغل “ليست عودة للاحتجاجات، فهي دائما موجودة”.
عبد الرزاق الخلولي: الاتحاد لم يعد مؤثرا، والحكومة ترفض التفاوض معه
وتابع بن مبروك “هناك توجه من الدولة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة، لكن هناك من يعرقل المسار. ومطالب الاتحاد الحالية استجابت لها الدولة من خلال صرف زيادات للعمال دون تفاوض مع الاتحاد”.
وأشار أمين عام الحزب إلى “احتقان غير مسبوق في الشارع التونسي ضد إضراب النقل، فلا مسائل أكيدة داعية لهذا الإضراب، ووزير النقل الحالي فتح أبوابه للتفاوض، والناس يرون توفير الدولة لحافلات جديدة، والإضراب من جهة الاتحاد” فقط.
وليلة الإضراب، قالت وزارة النقل التونسية إنها “اتخذت جملة من الإجراءات الاستثنائية لضمان حق المواطنين في التنقل، تبعا للاضطرابات المنتظر أن تطرأ على سفرات النقل العمومي في تونس الكبرى ومختلف الجهات نتيجة الإضراب”.
بخصوص الرسائل الموجهة من الإضراب، يرى بن مبروك أن الاتحاد أراد توجيه رسالة للمنظومة الحالية أنه “لا يزال في الساحة ودوره النقابي متواصل، وبإمكانه تعطيل مسار الدولة ووقف عائدات كبيرة لخزينة الدولة التونسية”.
وأوضح أن الإضراب جاء في إطار “حرب الاتحاد مع السلطات التي ترفض التحاور مع النقابة وخاصة الطبوبي (الذي يشغل منصبا بصفة غير قانونية وتجاوز المدة القانونية دون انتخابات)”.
وأكد بن مبروك أن السلطات التونسية ترفض المكتب الحالي للاتحاد، وقال إن الأطراف النقابية “تتحرك في إطار صراع سياسي، أكثر من تحسين ظروف النقل”.
من جهته، أشار سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل والناطق باسمه، إلى تصاعد الحركة الاحتجاجية العمالية.
وقال للأناضول “ليس هناك إضراب للنقل فقط، بل إضراب بقطاع المحروقات، والأسبوع القادم إضراب عمال الموانئ الجوية وسكك الحديد”.
وأوضح الطاهري أن أهداف الإضرابات “دون تأويل وتفسير تآمري، هي اجتماعية واضحة أمام الناس، حيث ثمة أزمة اجتماعية كبيرة وتدهور للمقدرة الشرائية وتدني الأجور”.
وتابع “ثمة خسارة كبيرة في جيب العمال مع تدني الخدمات، فالعامل كان يتداوى في المستشفيات العمومية بأجور معقولة، لكنه الآن يلجأ إلى المرافق الخاصة مرتفعة الثمن، والنقل العمومي والتعليم مترديان ما يضطر المواطن للجوء إلى القطاع الخاص”.
سامي الطاهري: الدافع الوحيد للإضرابات تأزم الوضع الاجتماعي
وأكد أن الدوافع الوحيدة للإضرابات هي “تأزم الوضع الاجتماعي إلى أبعد الحدود، ومع غياب الحوار تضطر القطاعات إلى شن إضرابات”.
والخميس الماضي، قال الاتحاد إن “عصابة غريبة أقدمت على التجمهر أمام دار الاتحاد ببطحاء محمد علي، محاولة اقتحامه،” واعتبر ذلك “نتيجة حملات تجييش وتحريض يقوم بها أنصار الرئيس سعيد”.
كما تشهد وسائل التواصل الاجتماعي تهجمات على الاتحاد من أشخاص يقولون إنهم مع مسار إجراءات الرئيس سعيّد، تصاعدت بعد إضراب النقل الذي شل الحركة في العاصمة.
قال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل “اتهامنا بأغراض سياسية وغير ذلك، هو هروب من الحل وهو التفاوض وتلبية الطلبات القانونية، وليس هناك وراء هذا سوى استفحال الأزمة الاجتماعية وغلق باب الحوار”.
وحول إصرار الاتحاد على المطالب أضاف الطاهري “أصل وجود الاتحاد هو الدفاع عن العمال. حشاد (فرحات حشاد مؤسس الاتحاد عام 1946) قام بأول إضراب بشأن زيادة الأجور”.
بالمقابل، يرى بن مبروك أن على الاتحاد “تخفيف العبء عن الدولة بتخفيض عدد الإضرابات، مؤكدا وقوف حزبه مع السلطة التي ترفض الحوار مع الاتحاد بتشكيلته الحالية.
تدخلات خارجية
قال المحلل السياسي عبدالرزاق الخلولي (مقرب من السلطة) إنه “من الطبيعي أن يرغب الاتحاد اليوم في العودة من جديد إلى الساحة، لإظهار أنه لا يزال فاعلا وله قوة”.
وأضاف الخلولي “لكن في نهاية الأمر، نجد أن أسباب الإضراب أساسها أن الاتحاد أصبح رهينة تعليمات من أطراف معينة للقيام بإضرابات واعتصامات نيابة عنهم”.
وتابع “الدولة اقتنت 1315 حافلة من الصين، وتتوجه في صفقاتها بقطاع النقل وغيره إلى الشرق إلى الصين، لذلك تحركت دول الغرب” ضد الدولة.
عودة روح الاحتجاج إلى أكبر نقابة تونسية تتزامن مع ارتفاع لأسعار منتجات أساسية
ووفق الخلولي “الدول الغربية (لم يسمّها) كانت تعول سابقا على الأحزاب، وبعد غياب الأخيرة أعطيت التعليمات للاتحاد بالإضراب لشل حركة الإنتاج والعمل وخاصة في قطاع النقل باعتباره قطاعا حساسا وإستراتيجيا”.
وشدد على “وجوب عودة الاتحاد إلى حجمه الطبيعي،” قائلا إن “الوقت حان لتقليم أظافره وتجميد مكتبه التنفيذي ووضعه تحت المراقبة والتدقيق المالي ومصادرة أموال أعضاء المكاتب التنفيذية من 2011 إلى اليوم، أو تجميدها على الأقل”.
وبخصوص رسائل الاتحاد من الإضراب قال الخلولي “من الطبيعي أن تكون له رسائل، ولكنه استفاق متأخرا لأنه في أزمة ووضع لا يحسد عليه، لذا يقتنص الاتحاد الفرصة للعودة من جديد إلى الساحة النقابية لأن الجميع بدأ يتناساه”.
وحول تأثير اتحاد الشغل على تصاعد توترات الوضع الاجتماعي، قال الخلولي “الاتحاد لم يعد مؤثرا، والحكومة ترفض التفاوض معه”.