الإسكندرية العريقة تنهار بصمت بسبب التغير المناخي
تشهد الإسكندرية تدهورا متسارعا في بنيتها العمرانية بسبب التغير المناخي وارتفاع منسوب البحر، ما أدى إلى تآكل الشواطئ وتزايد انهيار المباني، ورغم جهود الحكومة لإقامة حواجز بحرية وهدم العقارات المهددة، لا يزال القلق قائما، خاصة مع تزايد السكان وارتفاع أسعار العقارات، وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة مستقبلا.
الإسكندرية (مصر) - من شرفتها في الطابق التاسع المطلة على شاطئ البحر المتوسط في الإسكندرية نظرت إيمان مبروك إلى شريط الرمال الضيق الذي كان يوما ما شاطئا واسعا تلهو فيه عندما كانت طفلة.
وقالت إيمان “تغيّر شكل البحر تماما… فقد تآكلت الرمال بشكل كبير، ولم يتبق منها سوى نحو 30 في المئة من المساحة التي كانت موجودة سابقا”.
اقترب البحر أكثر فأكثر، وزادت الحواجز الخرسانية طولا، وتصدعت المباني المجاورة للبناية التي تسكن بها إيمان وتغيرت معالمها.
وأظهرت دراسة أن 40 مبنى ينهار سنويا في الإسكندرية، ثاني أكبر مدن مصر، مقارنة بمبنى واحد في المتوسط قبل عشر سنوات.
ويبدو أن المدينة العريقة التي نجت من كل شيء بدءا من القصف البريطاني في ثمانينات القرن التاسع عشر وحتى الحملات الصليبية قبل عدة قرون تستسلم الآن لعدو أكثر دهاء يتسلل إلى أساساتها.
وترتفع درجة حرارة مياه البحر المتوسط بسبب ظاهرة عالمية ناتجة عن تغير المناخ. ويقول باحثون إن ذلك يؤدي إلى تآكل سواحل الإسكندرية، وإلى تسرب المياه المالحة عبر التربة الرملية مما يزعزع المباني من الأسفل.
دراسة تظهر أن 40 مبنى ينهار سنويا في الإسكندرية مقارنة بمبنى واحد في المتوسط قبل عشر سنوات
ويقول عصام حجي، الباحث المتخصص في دراسة المياه بجامعة ثاوثرن كاليفورنيا والمشارك في إعداد الدراسة التي نُشرت في فبراير، والتي توثق الأزمة المتفاقمة في الإسكندرية وعلى طول الساحل بأكمله، “لهذا السبب نرى المباني في الإسكندرية تتآكل من الأسفل إلى الأعلى”.
وقال إن مجموعة من العوامل، تتمثل في الارتفاع المستمر في منسوب مياه البحر، وهبوط سطح الأرض، وتآكل السواحل، أدّت إلى تآكل ساحل الإسكندرية بمعدل متوسط يبلغ 3.5 متر سنويا خلال السنوات العشرين الماضية.
وأضاف حجي “بالنسبة للكثير من الناس الذين يعتقدون أن تغير المناخ شيء سيحدث في المستقبل ولا داعي للقلق منه، فهو يحدث في الواقع الآن، وهنا”.
ويبعث الوضع في الإسكندرية على القلق بدرجة كبيرة بناء على ما ورد في الدراسة التي نشرتها دورية “إيرثز فيوتشر” أو “مستقبل الأرض” بعنوان “الارتفاع الحاد في انهيارات المباني على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط”.
وبالنسبة لإيمان البالغة من العمر 50 عاما، فإن هذا القلق كان جزءا من حياتها اليومية على مدى سنوات، واضطرت إلى ترك شقة كانت تعيش فيها عندما حدث ميل في المبنى.
وقالت “كنت أعيش سابقا في شقة داخل مبنى تعرض للانحناء، وبعد عامين أصبحنا نعيش جميعا في حالة ميلان واضحة، إذ إنكِ لو وضعتِ شيئا على الطاولة لشعرتِ أنه ينزلق من تلقاء نفسه، وهذا كان السبب في مغادرتنا للمكان وإخلاء السكان للمبنى”.
واعترفت الحكومة المصرية بالمشكلة وتعهدت باتخاذ إجراءات. وتقلل حواجز الأمواج المغمورة في المياه من تأثير الأمواج الساحلية، وتُعيد شاحنات الرمال ملء الشواطئ المُعرضة للتآكل.
وقال محافظ الإسكندرية أحمد خالد حسن إنه جرى إقامة تسعة حواجز أمواج خرسانية “لكي تحمي الإسكندرية، وتحمي الدلتا أيضا من تأثير الأمواج وغمرها للإسكندرية”.
وتعمل الحواجز على تهدئة الأمواج، وهي عبارة عن أكوام من الكتل الخرسانية ذات الأشكال الهندسية، وتبرز منحنياتها وخطوطها الواضحة قبالة المباني السكنية المتصدعة وذات الواجهات المتآكلة.
وتحاول السلطات استباق الانهيارات بهدم المباني المعرضة للخطر.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أمام حشد من الناس بينما كان يقف أمام أحد الحواجز الخرسانية في الرابع عشر من يوليو إن هناك حوالي 7500 مبنى صدرت بحقها قرارات إزالة، ويتطلب الأمر بناء 55 ألف وحدة سكنية جديدة لاستيعاب سكان تلك العقارات.
وقال مدبولي “لا يمر يوم دون حدوث انهيار، سواء كان جزئيا أو كليا، لأحد العقارات القديمة التي صدرت بحقها قرارات إزالة”.
ويأمل البعض أن تحدث هذه الإجراءات فرقا.
وقال شادي مصطفى، صاحب مقهى على كورنيش الإسكندرية، “في هذه الفترة، اتجهت الحكومة إلى إنشاء الألسنة والمصدات البحرية بهدف حماية الشواطئ، وتأمين الطرق، وحماية الناس من خطر تمدد البحر نحو اليابسة.
أما الآن، فلم تعد هناك مخاطر تُذكر، فقد كنا نسمع عن تهديدات محتملة، لكن الدولة استبقت حدوثها واتخذت احتياطاتها مسبقا”.
ولكن هناك آخرين لا يشعرون بمثل هذا القدر من الاطمئنان. وجرى تصنيف المنطقة الساحلية في الإسكندرية التي يبلغ طولها 70 كيلومترا على أنها الأكثر عرضة للخطر في حوض البحر المتوسط بأكمله في الدراسة المنشورة في فبراير.
وذكرت الدراسة أن حوالي اثنين في المئة من العقارات السكنية في المدينة أو حوالي سبعة آلاف مبنى من المحتمل أن تكون غير آمنة.
ويتزايد عدد الوافدين إلى الإسكندرية يوميا، ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، زاد عدد سكان المدينة تقريبا بمقدار المثل إلى نحو 5.8 مليون نسمة في السنوات الخمس والعشرين الماضية، مدفوعا بإقبال العمالة والزوار على المدينة.
وتشير بيانات جهات متخصصة في متابعة سوق العقارات إلى استمرار ارتفاع أسعار العقارات في الإسكندرية برغم كل المخاطر.
ويقول أحمد العشري، من سكان الإسكندرية، إن الأسباب ربما تكون عالمية لكنها ذات تأثير على السوق المحلية.
وقال “ثمّة تغيّرات تطرأ على المباني، وتغييرات تحدث في الشوارع”.
وأضاف “نقوم بأعمال ترميم من حين إلى آخر، لكنها لا تصمد سوى بضعة أشهر قبل أن تتساقط مجددا. حتى جيراننا في المنطقة بدأوا يلاحظون الأمر ذاته، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة تشققات جديدة، ليست ناجمة عن تقادم الزمن، بل تشققات حديثة وسريعة للغاية”.