استمرار الحرب يغذي المخاوف من تحول السودان إلى بؤرة رئيسية للإرهاب
الخرطوم- يغذي استمرار الحرب في السودان، وغياب أيّ أفق للتسوية السياسية، مخاوف السودانيين من تحول البلاد إلى بؤرة رئيسية للإرهاب في العالم، لاسيما مع وجود السودان في نقطة تقاطع مع دول هشة أمنيا.
ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع سرعان ما اتخذت أبعادا جديدة بدخول العامل الإثني والعرقي، وهو ما يظهر بشكل واضح في إقليم دارفور، غرب البلاد، وكردفان (وسط).
ويرتبط السودان بحدود مع سبعة دول هي في معظمها، تعاني من هشاشة أمنية ونشاطات للجماعات الجهادية، الأمر الذي يجعل من الممكن أن يتحول هذا البلد إلى مركز للنشاط الإرهابي.
وفي حوار عبر راديو “دبنقا” السوداني حذر الدكتور عصام عباس، مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، من أن السودان يمضي بخطى متسارعة نحو التحول إلى “بؤرة للإرهاب” حال لم تتوقف الحرب فورا، وتُتخذ إجراءات عاجلة لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة.
◄ انتشار مثل هذه الأسلحة النوعية بين المدنيين يثير قلقاً بالغاً، لأنها ليست أسلحة للحماية الشخصية بل أدوات ذات تأثير مدمر
وأوضح عباس في حلقة بعنوان “احتمالات وفرص تحول السودان – خلال الحرب الحالية – لبؤرة للإرهاب والتطرف العنيف،” أن الاضطرابات السياسية وسيطرة “المتطرفين الإسلاميين” على مقاليد الحكم لثلاثة عقود من 1989 وحتى سقوط نظامهم، ودخولهم في الحرب الحالية وبكل ثقلهم وفي المقدمة، بالإضافة إلى علاقاتهم الواسعة جدا مع الجماعات الإسلامية المتطرفة تشير وبوضوح أن السودان في طريقه – إذا لم نتدارك ذلك الآن – أن يصبح أكبر بؤرة للإرهاب والتطرف العنيف ويهدد الأمن والسلم الدوليين.
وأشار إلى أن فشل الدولة في حلحلة الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور ثم اندلاع الحرب ساهم في توفير بيئة خصبة لنشاط الجماعات المتطرفة.
واندلع النزاع في السودان، على إثر تقاطع مصالح بين قيادة الجيش والإسلاميين، لقطع الطريق على تولي القوى المدنية السلطة، ورغم الجهود الإقليمية والدولية وآخرها المبادرة التي عرضتها الشهر الماضي الرباعية الدولية لهدنة إنسانية، لكن لا يبدو أن طرفي الصراع في وارد التخلي عن السلاح والارتكان إلى الدبلوماسية.
وتضمنت مبادرة الرباعية إقصاء الإسلاميين وفلول النظام السابق من لعب أيّ دور مستقبلي، حيث تم تحميلهم المسؤولية بشكل واضح عن الحرب واستمرارها.
وأثار موقف الرباعية غضب الإسلاميين، وسط قلق سوداني من أن يندفعوا نحو المزيد من العنف، وقد يذهبون بعيدا في ربط علاقات مع الجماعات الجهادية في الجوار، في حال تم حشرهم في الزاوية.
عصام عباس: السودان يمضي بخطى متسارعة نحو التحول إلى بؤرة للإرهاب
وحذّر الخبير السوداني من العواقب التي خلفتها الحرب الحالية من انهيار للاقتصاد الوطني والكارثة الإنسانية المتفاقمة المتمثلة في ارتفاع معدلات الجوع، وتدمير البنية التحتية، وتعطيل المصانع، وتشريد العمال، وتوقف المشاريع الزراعية وتدهور المَرعَى والبيئة المهيأة للثروة الحيوانية.
وبحسب اللواء عباس، فإن التهديد الذي يواجه البلاد في المستقبل القريب، يكمن في عسكرة المجتمع، وانتشار السلاح بصورة غير مسبوقة بين المدنيين. منوهاً إلى سهولة الحصول على السلاح وبتوجيهات صادرة من أعلى المستويات في كلا المعسكرين شجعت الأفراد على التسلح.
ولفت إلى أن الحصول على السلاح أصبح اليوم متاحا وبلا ضوابط، ومع تدفقات الأسلحة عبر الحدود المفتوحة، صار السودان سوقا ناشئاً للأسلحة النوعية.
وتساءل عباس: هل يعقل أن يمتلك مواطن عادي مدفعا رشاشا من طراز دكتوريوف أو كلاشنيكوف أو مدفع عيار 42؟ وأضاف “هل يعقل كذلك وهو ما يحدث الآن أن يوجد لدى مواطن قاذف قنابل أو أسلحة متقدمة”؟
وأكد أن انتشار مثل هذه الأسلحة النوعية بين المدنيين يثير قلقاً بالغاً، لأنها ليست أسلحة للحماية الشخصية بل أدوات ذات تأثير مدمر، وتأثيرها الاجتماعي سلبي للغاية حتى بعد أيّ سلام محتمل.
وشدد على أن “حل أزمة السلاح والعسكرة لا يمكن أن يكون سطحياً أو نظرياً فقط، بل يتطلب الأمر إستراتيجية واضحة جدا ومحددة تمكّن الدولة المدنية المستقبلية من استعادة السيطرة على السلاح المنفلت، عبر إجراءات قانونية واجتماعية وسياسية وأمنية متكاملة”.
وأضاف “هذه الإستراتيجية يجب أن تعمل على خفض مستويات التوتر، وتقليل خطاب الكراهية، ومعالجة الغبن الاجتماعي، وإعادة ربط النسيج المجتمعي المتصدع”.
ورغم قتامة المشهد، فقد أعرب الخبير السوداني عن تفاؤل حذر؛ في ظل وجود حراك دولي وإقليمي ومحلي يسعى إلى إعادة السلام وبناء دولة سودانية. واستشهد في ذلك بوجود دول في العالم مرّت بحروب مدمّرة استطاعت بعد ذلك بناء دول حديثة قوية بالاستفادة من التجربة. وأكد أن الطريق ليس سهلا في ظل الوضع الراهن، لكنه لا يعني الاستسلام.