إعادة الروح إلى الصناعة العراقية ضمن محاور الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء العراقي

أحزاب حاكمة فككت القطاع لتعظيم استفادتها من استيراد المنتجات وخدمة لاقتصاد حليفتها إيران.
الثلاثاء 2025/09/23
هل وجدت صناعة العراق أبا لها بعد سنوات طويلة من اليتم

تركيز رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني على إبراز نمو القطاع الصناعي في عهده ووعوده بمزيد رفد القطاع وتطويره، لا ينفصل عن دعايته الانتخابية حيث يأتي ضمن بحثه عن نقاط تمايز حكومته عن سابقاتها اللاتي فرّطت في هذا القطاع الحيوي بل وساهمت عمدا في تفكيكه بناء على حسابات سياسية ومصلحية مادية ضيّقة.

بغداد- توفّر إعادة إحياء الصناعة العراقية وجعلها مجددا عنصرا مساهما في اقتصاد البلاد ومصدرا إضافيا لتنويع الدخل والتخفيف من حدّة الاعتماد على موارد النفط، ملفا مناسبا ضمن ملفات الحملة الانتخابية السابقة لأوانها التي يخوضها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ويهدف من ورائها إلى زيادة حظوظه في الفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة إثر الانتخابات التشريعية المقررة لشهر نوفمبر القادم.

وإذ يعتبر قطاع الصناعة ملفا اقتصاديا خالصا فإنّه لا يخلو في أعين الناخبين العراقيين من بعد عاطفي يتمثّل في الحنين إلى الفترة المزدهرة للصناعة العراقية في عهد نظام الرئيس الأسبق صدّام حسين عندما عرف هذا القطاع ازدهارا مشهودا وبات مساهما في توفير الكثير من الحاجيات محليا والاستغناء عن توريدها من الخارج كما أصبح رافدا لموارد الدخل ومجالا مشغلا لأعداد كبيرة من الأيدي العاملة ومساهما بالنتيجة في الحدّ من الفقر والبطالة.

ودأب السوداني على البحث ضمن ترسيخ قدمه في منظومة الحكم في العراق عن نقاط التمايز عن رؤساء الحكومات السابقين له، وجعل لأجل ذلك من إعادة تحريك عجلة التنمية شبه المتوقّفة في البلاد محورا رئيسيا لاهتمامه، وقد نجح جزئيا في ذلك من خلال إطلاقه عددا كبيرا من المشاريع. كما حاول أن يجعل من محاربة الفساد الذي تحوّل إلى معضلة تحميها شبكة من المتنفذين المتمكنين داخل مؤسسات الدولة إحدى نقاط تمايز تجربته في قيادة السلطة التنفيذية.

ولا يخلو التهاوي الكبير للصناعة العراقية بحدّ ذاته من صلة بموضوع الفساد والولاءات المشبوهة للخارج، إذ تتهم القوى التي حكمت العراق منذ أكثر من عقدين من الزمن وخصوصا الأحزاب الشيعية، بتفكيك هذا القطاع المنتج لتقاسم تركته من آلات ومصانع تم تفكيكها وتهريبها إلى إيران المجاورة وبيعها كخردة أو كمعادن.

ووسّعت تلك القوى بذلك من حركة الاستيراد من الخارج التي تشرف عليها هي بنفسها وتجني منها أموالا طائلة، كما أتاحت الفرصة لحليفتها إيران لتسويق منتجاتها الرديئة ذات الجودة المتدنية داخل السوق العراقية الواسعة.

وأعلن السوداني، الاثنين، أن  بلاده تشهد طفرة صناعية إنتاجية، مؤكّدا أن 54 مصنعا عراقيا بدأت بتسويق منتجاتها إلى خارج البلاد.

◄ قطاع اقتصادي لا يخلو من بعد عاطفي يتعلق بالحنين إلى فترة ازدهاره ومساهمته في خفض الفقر والبطالة

وقال خلال الاحتفال بإعلان محافظة بابل عاصمة صناعية للعراق “نعلن اليوم محافظة بابل عاصمة العراق الصناعية لما يميزها من موقع متميز بين عدد من المحافظات كسوق استهلاكية زراعية وصناعية”.

وأضاف “لدينا نهضة صناعية كبرى في البلاد ومحافظة بابل مؤهلة لأن تكون عاصمة العراق الصناعية،” متوقّعا “تزايد عدد المصانع العراقية المصدّرة بعد أن كان هناك إغراق متعمد من بعض الدول لمنتجاتها  في السوق المحلية”.

وأوضح أن “الإنتاج العراقي وصل إلى مرحلة تغطية الاستهلاك المحلي لأنه لا بديل عن الصناعة والزراعة كمحركات للاقتصاد الوطني”.

وكشف أن الحكومة ماضية باتجاه زيادة الإيرادات غير النفطية في الموازنة العامة إلى 20 في المئة خلال العام الحالي بعد أن كانت 7 في المئة عام 2022 و17 في المئة خلال العام الماضي والانطلاق نحو مبدأ “صُنع في العراق”.

وأشار إلى أن الحكومة العراقية قدمت ضمانات سيادية للقطاع الخاص للمرة الأولى في تاريخ العراق لحل المشاكل الصناعية، وتفعيل عمل المجلس التنسيقي الصناعي لخلق نهضة حقيقية وطفرة إنتاجية كمّا ونوعا على المستوى المحلي.

وأطلق السوداني، على هامش الاحتفالية، العمل التنفيذي في مشروع مصنع الحبيبات البلاستيكية بطاقة إنتاجية تقدر بـ960 طنا يوميا وهو أحد مشاريع القطاع الخاص بمحافظة بابل والأول من نوعه في العراق.

ويحتاج السوداني خلال الفترة القصيرة المتبقية على الانتخابات لتكريس صورة إيجابية عن شخصه وحصيلة رئاسته للحكومة، حتى يتمكّن من مواجهة المنافسة الشرسة له على منصب رئيس الحكومة من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها وخصوصا من قبل السياسي المخضرم وصاحب التجربة السابقة والطويلة نسبيا في قيادة السلطة التنفيذية نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية وقائد ائتلاف دولة القانون.

ولضمان بقاء مستمر تحت الأضواء، وبهدف تقديم نفسه عن قرب لجمهور الناخبين انطلق السوداني في فورة غير مسبوقة من إطلاق المشاريع وتدشين بعض ما اكتمل منها في ظل حرص على شمول أكبر عدد ممكن من المناطق بذلك النشاط تكريسا لصورة رجل الدولة العابر لحدود المناطقية والطائفية والعرقية.

فمن البصرة جنوبا إلى الموصل شمالا مرورا بكربلاء والنجف وبغداد وصلاح الدين سجل السوداني حضوره في زيارات ميدانية مشرفا على إدارة مناسبات دينية كبرى ومعلنا عن إطلاق مشاريع في مجال البنية التحية والنقل والطاقة والمياه.

ولا تقتصر جهود السوداني في نحت صورة رجل الدولة التي يريد على أساسها مواصلة قيادة الحكومة العراقية لولاية جديدة على سياسته الداخلية، بل تشمل أيضا السياسة الخارجية لحكومته والتي واجهت تحدّي إعادة التوازن للعلاقات الإقليمية والدولية للبلد الذي جعلته طبيعة نظامه الحالي القائم على حكم الأحزاب الشيعية واقعا بشدّة ضمن دائرة النفوذ الإيراني.

ويحسب لحكومة السوداني قطعها خطوات عملية في اتجاه إحداث التوازن المنشود بإقامتها علاقات أمتن مع تركيا وانفتاحها بشكل أكبر من سابقاتها على بلدان الخليج والدول العربية عموما.

3