إسرائيل تُقرّ المرحلة الأولى من خطة ترامب: سلامٌ مشروط يعيد هندسة غزة

السلام الموعود يتحول إلى صفقة معيشية تركز على الرهائن والمساعدات وتتجاهل جذور الصراع.
الجمعة 2025/10/10
السلام الموعود يتحول إلى صفقة معيشية

شرم الشيخ (مصر) - أقرّت الحكومة الإسرائيلية فجر الجمعة المرحلة الأولى من خطة ترامب للسلام في غزة والتي تنص خصوصا على إطلاق حماس جميع الرهائن المحتجزين في القطاع، أحياء وأمواتا، وإفراج الدولة العبرية عن معتقلين وأسرى فلسطينيين، ووقف إطلاق النار وإدخال مساعدات للقطاع المدمّر.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان إنّ "الحكومة وافقت للتوّ على إطار عمل لإطلاق سراح جميع الرهائن - سواء كانوا أحياء أو أمواتا". هذا الإقرار، الذي جاء في 10 أكتوبر 2025، يمثل لحظة تاريخية مليئة بالتوترات، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل يوم عن توصل إسرائيل وحركة حماس إلى اتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار في غزة، بعد مفاوضات مكثفة في شرم الشيخ بمصر.

هذا الاتفاق، الذي يشمل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين (أحياء وأموات) مقابل أكثر من ألفي أسير فلسطيني، وانسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية، وتدفق المساعدات الإنسانية، يأتي بعد سنتين من الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني ودمار هائل في القطاع.

لكن خلف هذا الإعلان، تكمن محاولة إسرائيلية مدروسة لإعادة صياغة القضية الفلسطينية، محولة غزة من قضية وطنية فلسطينية إلى ملف أمني إقليمي يُدار عبر تفاهمات مباشرة مع واشنطن، مما يعيد تشكيل الصراع بطريقة تضعف الجانب الفلسطيني.

◄ اتفاق غزة يحوّل القضية الفلسطينية من مشروع تحرر وطني إلى ملف أمني إقليمي تديره واشنطن

الاتفاق الجديد يعكس تحولا استراتيجيا. ففي المرحلة الأولى، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار فوراً، مع انسحاب من بعض المناطق، لكنها تحتفظ بسيطرة على 53 في المئة من أراضي غزة. هذا الانسحاب الجزئي، الذي يبدأ خلال 24 ساعة، يتيح لإسرائيل الحفاظ على نفوذ أمني، بينما يتم إدخال 400-600 شاحنة مساعدات يومياً، مما يحول الاتفاق إلى "صفقة معيشية" تركز على الإغاثة الإنسانية بدلاً من حل سياسي جذري.

برأيي، هذا النهج يعكس محاولة إسرائيلية لإعادة هندسة الصراع، حيث يصبح غزة ملفاً أمنياً يُدار بالتنسيق مع واشنطن، التي سترسل 200 عسكري للإشراف على التنفيذ، رغم نفي نشرهم داخل القطاع. هذا الدور الأمريكي يعزز التحالف الإسرائيلي-الأمريكي، محولاً القضية من نزاع وطني إلى قضية إقليمية أمنية، حيث تُدار التفاصيل عبر "مجلس السلام" برئاسة ترامب ومشاركة توني بلير، دون دور لحماس في حكم غزة.

هذا التحول له انعكاسات كبيرة على الدول المجاورة. بالنسبة لمصر، التي استضافت المفاوضات في شرم الشيخ، يعزز الاتفاق دورها كوسيط رئيسي، لكنه يزيد الضغط على حدودها مع غزة، حيث قد يؤدي تدفق المساعدات إلى مشكلات أمنية إذا فشل الانسحاب الكامل. الرئيس السيسي حذر من استمرار الغارات، معتبراً أن أنها قد تعرقل "روح الاتفاق"، مما يعكس مخاوف مصر من عدم الاستقرار الذي قد يمتد إلى سيناء.

أما الأردن، الذي لم يشارك مباشرة، فإن الاتفاق يثير قلقاً بشأن الضفة الغربية، حيث قد يشجع على تصعيد إسرائيلي هناك، خاصة مع تصريحات نتنياهو عن "القضاء على حماس"، مما يهدد الاستقرار الأردني الداخلي بسبب اللاجئين الفلسطينيين. قطر وتركيا، كوسطاء، يبرزان دورهما الإقليمي؛ فقد قدمت قطر ضمانات لحماس، بينما أعلن أردوغان مشاركة تركيا في المراقبة وإعادة الإعمار، مما يعزز نفوذهما، لكنهما يواجهان مخاطر إذا اعتبر الاتفاق "تخلياً" عن المقاومة.

من الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يُحدث الاتفاق تغييرات ملحوظة على المستويين المحلي والإقليمي. في إسرائيل، التي يبلغ اقتصادها 580 مليار دولار، قد يساهم وقف إطلاق النار في إيقاف التشققات الاقتصادية الناتجة عن الحرب المستمرة لسنتين، مثل ارتفاع التكاليف العسكرية وتراجع السياحة والاستثمار. أما في غزة والضفة الغربية، فقد أدى الصراع إلى انخفاض حاد في التوظيف بنسبة 61% في غزة و24% في الضفة بين أكتوبر ونوفمبر 2023، مما يجعل تدفق المساعدات الإنسانية خطوة أولى نحو التعافي، لكن إعادة الإعمار ستتطلب مليارات الدولارات، وسط مخاوف من استمرار الحصار الاقتصادي.

◄ اتفاق غزة يركز على الإغاثة والإفراج عن الرهائن، لكنه يتجاهل جذور الصراع مثل الاحتلال والحقوق الفلسطينية

على المستوى الإقليمي، انخفضت أسعار النفط بنسبة 1.6% عقب الإعلان عن الاتفاق، مع تراجع المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مما يؤثر إيجاباً على الاقتصادات العالمية لكنه قد يضغط على الدول النفطية مثل السعودية. كما أن الدعم الأميركي لإسرائيل، الذي تجاوز 21 مليار دولار منذ أكتوبر 2023، يبرز البعد الاقتصادي للدعم العسكري، حيث تُمول الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من التكاليف، مما يعزز الاعتماد الاقتصادي على واشنطن في المنطقة.

الخطورة الأكبر تكمن في تحويل "السلام" إلى صفقة معيشية تبقي على الاحتلال. الاتفاق يركز على الإغاثة والإفراج عن الرهائن، لكنه يتجاهل جذور الصراع مثل الاحتلال والحقوق الفلسطينية. خطة ترامب تنص على نزع سلاح حماس في المرحلة الثانية، وإدارة غزة بلجنة تكنوقراطية دولية، مما يضعف السيادة الفلسطينية ويحول القضية إلى "إدارة أزمة" أمنية.

ومع ذلك، مازالت حماس ترفض نزع سلاحها بشكل كامل، حيث تركز المرحلة الأولى على الرهائن والمساعدات دون الخوض في هذا البند، الذي سيُناقش لاحقاً. قياديو حماس يرونه مساساً بالسيادة، وقد وافقت الحركة على "تجميد" مؤقت فقط، كما أوضح مسؤول مصري، بينما يصر ترامب على أنه جزء من المراحل التالية. تغريدات على X تعبر عن مخاوف من فشل الاتفاق بسبب هذا الرفض، إذ ترى حماس السلاح دفاعاً أساسياً عن الشعب، مما يشير إلى هشاشة الاتفاق الذي قد ينهار كسابقيه في 2023 و2025. هذا يعني استمرار الاحتلال تحت غطاء "السلام"، مما يقوض الجهود الوطنية الفلسطينية ويفتح الباب لتصعيد جديد.

اتفاق غزة قد يكون وقفاً مؤقتاً للدمار، لكنه يعيد هندسة القضية الفلسطينية نحو نموذج أمني يخدم إسرائيل وواشنطن. الاحتفالات في غزة وتل أبيب تعكس الأمل، لكن بدون حل شامل، يبقى السلام وهماً يخفي مخاطر أكبر. يجب على الأطراف الإقليمية، مثل مصر والأردن وقطر وتركيا، الضغط لضمان انتقال حقيقي نحو السيادة الفلسطينية، وإلا سيظل الصراع يدور في حلقة مفرغة.