إسرائيل تقطع شريانا حيويا لمناطق الحوثي باستهدافها ميناء الحديدة

نقلة إسرائيلية من ردع الجماعة إلى شل قدرتها على إدارة مناطق سيطرتها.
الأربعاء 2025/09/17
هدف مكشوف للطيران الحربي الإسرائيلي

تدمير الجيش الإسرائيلي لميناء الحديدة غربي اليمن تصعيد نوعي في الصراع بين جماعة الحوثي والدولة العبرية باتجاه انتقال الأخيرة من مجرد ردع الجماعة إلى محاولة تحييدها بالكامل عن طريق قطع شرايين إمداداتها المدنية والعسكرية وشل مختلف قدراتها الإدارية والاقتصادية والخدمية ودفعها إلى حافة العجز عن إدارة شؤون مناطق سيطرتها وتلبية متطلبات سكانها.

الحديدة (اليمن) - وجهت إسرائيل الضربة الأشد إيلاما وأعمق تأثيرا لجماعة الحوثي منذ قيام قواتها أواخر أغسطس الماضي بقتل رئيس حكومة الجماعة أحمد الرهوي وعدد كبير من أعضاء حكومته، وذلك من خلال قيامها بتدمير ميناء الحديدة الواقع بغرب اليمن والمطل على البحر الأحمر، لتكون بذلك قد أغلقت نافذة رئيسية على العالم الخارجي وقطعت شريانا حيويا تستمد منه الجماعة الكثير من أسباب الحياة للمناطق الواقعة تحت سيطرتها وتستورد عبره مختلف المواد الأساسية من أغذية ووقود وغيرها ومن معدات ووسائل ضرورية لخدمة تلك المناطق وإدارتها.

وجاء قصف الميناء بمثابة تصعيد نوعي من قبل إسرائيل ضد الحوثيين ومرحلة جديدة في الانتقال من ردع الجماعة إلى محاولة ضرب عناصر قوتها وشل قدراتها أملا في تحييدها مثلما توعدت بذلك حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وتميزت الضربات الجوية الإسرائيلية للميناء، مساء الثلاثاء، بالعنف الشديد والكثافة حيث بلغ عددها بحسب الإعلام الحوثي اثنتي عشرة ضربة، بينما قال الإعلام الإسرائيلي إنّه تم استهداف أرصفة الميناء بشكل رئيسي، وسط حديث مصادر محلية عن دمار شديد لحق بالمنشأة الحيوية كفيل بإخراجها عن الخدمة لفترة طويلة.

ومنذ ما قبل الضربة أفصح الجيش الإسرائيلي عن نيته إلحاق أكبر ضرر ممكن بالميناء من خلال توجيهه إنذارا بقصفه قبل ساعات من تنفيذ القصف.

وكتب متحدث الجيش أفيخاي أدرعي في تدوينة على منصة إكس “إنذار عاجل إلى كل المتواجدين في ميناء الحديدة في اليمن،” وأضاف مرفقا إنذاره بخريطة “سيهاجم الجيش الإسرائيلي في الساعات القريبة في المنطقة المحددة بالخريطة في ضوء الأنشطة العسكرية التي يمارسها نظام الحوثي هناك”.

وأنذر الجيش الإسرائيلي كافة المتواجدين في ميناء الحديدة والسفن الراسية فيه بإخلاء المكان بشكل فوري.

تركيز الاستهداف بشكل رئيسي على أرصفة الميناء ودمار كبير لحق بالمنشأة الحيوية كفيل بإخراجها عن الخدمة لمدة طويلة

والاثنين أعلنت جماعة الحوثي أنها هاجمت إسرائيل بأربع طائرات مسيّرة في نطاق ما تسميه دعما للفلسطينيين في قطاع غزّة. وقال بيان للمتحدث العسكري باسم قوات الحوثيين يحيي سريع “نفذ سلاح الجو المسيّر في القوات المسلحة اليمنية (التابعة للجماعة) عملية عسكرية نوعية”.

وأوضح أن العملية جرى تنفيذها بـ”أربع طائرات مسيّرة، استهدفت ثلاث منها مطار رامون بمنطقة أم الرشراش” (إيلات) جنوبي إسرائيل، “فيما استهدفت الطائرة الرابعة هدفا عسكريا بمنطقة النقب بفلسطين المحتلة، وحققت العملية أهدافها بنجاح،” وفقا للبيان.

وبدأت الغارات الإسرائيلية على مناطق سيطرة الحوثيين باليمن في يوليو 2024، مستهدفة مرافق حيوية بينها ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي ومحطات كهربائية.

وتشن جماعة الحوثي هجمات متواصلة على إسرائيل باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة، كما تستهدف السفن المرتبطة بها أو المتجهة نحوها.

وفي يوليو الماضي قررت الجماعة تصعيد عملياتها العسكرية البحرية ضد إسرائيل عبر “استهداف كافة السفن التابعة لأيّ شركة تتعامل مع موانئ العدو الإسرائيلي بغض النظر عن جنسية تلك الشركة.”

وحولت سياسة اغتيال القادة الحوثيين التي أعلنت إسرائيل عن الشروع في تطبيقها بشكل ممنهج جنبا إلى جنب تدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية في مناطق سيطرة الجماعة، تمادي الأخيرة في مواجهتها مع الدولة العبرية إلى لعب على حافة الهاوية بدفع من إيران التي يبدو أنّها لا تنظر إلى حجم الخسائر التي يتكبّدها حلفاؤها بقدر ما تنظر إلى العائد السياسي الذي تجنيه من وراء انخراطهم في الصراع نيابة عنها.

خسائر الجماعة ستكون أكثر فداحة في حال تنفيذ إسرائيل لتهديد سبق أن وجهته لهم بفرض حصار خانق عليهم جوا وبحرا

وتركّز القوات الإسرائيلية في ردودها على قصف جماعة الحوثي لعدد من المواقع داخل إسرائيل على استهداف المرافق والمنشآت الحيوية والبنى التحتية اليمنية المتهالكة أصلا معمقّة بذلك المصاعب المعيشية وسوء الخدمات الذي يعانيه سكان البلاد لاسيما في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.

ويعود ذلك إلى وجود قناعة لدى صانع القرار الأمني والعسكري للدولة العبرية بصعوبة القضاء على القوة العسكرية للحوثيين والحدّ من قدرتهم على استهداف إسرائيل بالصواريخ العابرة والطائرات المسيّرة.

وفي حين تبدو جماعة الحوثي قليلة الاكتراث بنتائج سلوكها على عيش السكان الواقعين ضمن سلطة الأمر الواقع التي تقيمها بالتوازي مع السلطة اليمنية المعترف بها دوليا في سبيل تحقيق أهداف إستراتيجية تتجاوز اليمن بحدّ ذاته وترتبط بمصالح طهران وسياساتها الإقليمية، تأمل تل أبيب في خلق المزيد من التعقيدات للجماعة في إدارة المناطق الخاضعة لها أملا في تعميق الفجوة بينها وبين سكان تلك المناطق.

وسبق لإسرائيل أن قصفت في نطاق التكتيك ذاته القائم على حرمان مناطق الحوثي من مرافقها الحيوية، مطار صنعاء الدولي وملحقة به خسائر فادحة شملت تدمير عدد من طائرات الخطوط اليمنية، كما سبق أن قصفت موانئ واقعة على البحر الأحمر غربي اليمن أهمها ميناء الحديدة العصب الحيوي لحياة مناطق الحوثي، والذي ما تزال الجماعة تواجه صعوبات كبيرة في ترميمه وإعادته للعمل بكل طاقته.

وكثيرا ما يثير حجم الدمار الذي يخلفه القصف الإسرائيلي في بنى تحتية يمنية الأسئلة حول خيارات جماعة الحوثي في حماية تلك البنى والمرافق بالغة الحيوية للسكان الذين يعانون أصلا تبعات الصراع الطويل المستمر في بلدهم والذي أحدث وضعا اقتصاديا وإنسانيا كارثيا وفقا لتوصيفات دولية وأممية.

كما يثير بالنتيجة الأسئلة عن جدوى استمرار الجماعة في الصراع ضدّ إسرائيل التي تفوقها قدرات عسكرية وتقنية، والنتائج التي يمكن أن تتأتى لها من وراء ذلك، في ما عدا الناتج الدعائي الذي تجنيه من رفع شعار مساندة الفلسطينيين ودعمهم في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة.

وستكون خسائر الجماعة أكثر فداحة في حال تنفيذ إسرائيل لتهديد سبق أن وجهته لهم بفرض حصار خانق عليهم جوا وبحرا ما يجعل مناطق سيطرتهم شبه معزولة عن العالم الخارجي ومحرومة من مختلف صنوف الإمداد بالمواد الحيوية ذات الاستخدام المدني والعسكري على حدّ سواء.

3