إزاحة النقاب داخل الجامعة الأميركية تشعل الجدل في كردستان العراق

الإسلاميون يوظفون الجدل الثقافي لتعزيز نفوذهم الاجتماعي وحظوظهم الانتخابي.
الجمعة 2025/10/10
صدام بين قيم الفن والدين في كردستان

تجسّد الأزمة التي فجّرها عرض فني في الجامعة الأميركية بالسليمانية – حين خلعت نساء النقاب على المسرح – ملامح صراع أعمق داخل المجتمع الكردي بين تيار يسعى لترسيخ الهوية المدنية المنفتحة، وآخر محافظ يستعيد نفوذه عبر الدين والسياسة الشعبية.

السليمانية (كردستان العراق) – أثار عرض فني قامت فيه نساء بخلع النقاب على نحوٍ درامي داخل الجامعة الأميركية في محافظة السليمانية في كردستان العراق جدلا واسعا، كشف عن تصاعد التوتر بين الطابع العلماني للإقليم من جهة، وصعود التيار الإسلامي السني المحافظ من جهة أخرى.

ويُنظر إلى إقليم كردستان العراق على نطاق واسع بوصفه مجتمعا علمانيا نسبيا في منطقة يغلب عليها الطابع الديني. ومع أن هذه الصورة تحمل بعض الحقيقة، إلا أن الإقليم يضم أيضاً قوى محافظة وفاعلة تتبنى تفسيرات صارمة للإسلام السني. وقد ازدادت قوتها الشعبية مع تراجع ثقة الشارع بالأحزاب القومية الكردية الحاكمة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية.

ويقول المحلل وينثروب رودجرز في تقرير نشره موقع عرب دايجست إن الأحزاب الإسلامية لا تسعى عادة إلى السيطرة على السلطة أو تحقيق فوز انتخابي كبير، بقدر ما تهدف إلى ترسيخ حضورها الاجتماعي والتأثير على سلوك الأحزاب الحاكمة.

وتجلى هذا التوتر بوضوح في الجدل الذي اندلع في مدينة السليمانية الليبرالية نهاية سبتمبر الماضي. فقد استضافت الجامعة الأميركية في العراق – السليمانية منتدى للدراسات الكردية استمر ثلاثة أيام، شارك فيه أكاديميون وطلاب ومترجمون ومسؤولون حكوميون وصحافيون وشعراء وفنانون لمناقشة الثقافة والسياسة والتاريخ واللغة الكردية.

الجدل حول العرض يخدم الاستراتيجية الشعبوية للإسلاميين، إذ يحرّك قواعدهم الشعبية من دون أن يغير ميزان القوى في الانتخابات

وفي ختام المنتدى، قدّمت فرقة “هونرگه‌هـ وەلات”، وهي مجموعة موسيقية راقصة من روج آفا (شمال سوريا)، عرضاً تضمن فقرة رقص أدّتها نساء يرتدين النقاب الذي يغطي الوجه والجسد بالكامل، وهو لباس يعتمده بعض المحافظين المسلمين.

وأثناء العرض، قامت النساء بخلع النقاب على نحوٍ مسرحي، كاشفاتٍ عن وجوههن وشعورهن وملابس كردية تقليدية ملونة كنّ يرتدينها تحته.

وكان هذا المشهد إشارة رمزية لتحرير النساء، مستوحاة من أحداث حقيقية عند تحرير قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ذات القيادة الكردية، لمدن وبلدات من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فالمساواة بين الجنسين تُعد ركناً أساسياً في أيديولوجيا الثورة في روج آفا، وهو مبدأ تطبّقه الفرقة فعلاً من خلال مشاركة النساء والرجال معاً في العروض.

وقد قوبل العرض بتصفيق حار من الجمهور في القاعة، إذ وصف أحد الحضور الحفل بأنه “أفضل عرض فني شاهده في حياته”. لكن فور نشر مقطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، انفجرت عاصفة من الجدل والانتقادات.

وهاجم رجال دين محافظون، بينهم شخصيات مرتبطة بحزبي الإسلاميين الرئيسيين في الإقليم، العرض ووصفوه بأنه “إهانة للإسلام”. وهدد بعضهم بتقديم دعاوى قضائية رسمية. وأصدر حزب العدالة الكردستاني بياناً اعتبر فيه الأداء “إهانة سافرة لدين هذه الأمة المسلمة”.

وأما الداعية حجي كروان، وهو عضو في الاتحاد الإسلامي الكردستاني ، فذهب إلى حد الادعاء بأن ألوان الملابس التي ارتدتها المؤديات ترمز إلى “المثلية الجنسية”.

وفي المقابل، أصدرت الجامعة الأميركية في السليمانية بياناً أوضحت فيه أنها غير مسؤولة عن آراء الفنانين، مؤكدة في الوقت نفسه احترامها “للقيم الدينية والاجتماعية”، لكنها شددت أيضاً على تمسكها بدورها في جمع “وجهات نظر وآراء متنوعة دون رقابة أو تدخل”.

الضجة حول العرض لن تؤثر كثيراً في نتائج المقاعد، لكنها تمثل نموذجاً للخطاب الشعبوي الذي أصبح مألوفاً في الحياة السياسية الكردية

ومع ذلك، فإن الطابع “الأميركي” للجامعة جعل منها هدفا سهلا للهجمات من جانب الإسلاميين الذين يرون في الغرب مصدر “إفساد” للقيم الإسلامية المحلية.

وفي المقابل، لقيت فرقة “هونرگه‌هـ وەلات” دعماً واسعاً من الأكراد الذين رأوا في أدائها تعبيراً فنياً شجاعاً. وكتب أحد النشطاء على مواقع التواصل: “الأحزاب الإسلامية الراديكالية في كردستان تعرف جيداً أنه لا توجد جبهة معادية للإسلام هنا… لكنها مفلسة سياسياً، فتتاجر بدين الناس لتستعيد حضورها.”

وجاءت هذه الأزمة في سياق انتخابي حساس، إذ تبدأ الحملة الانتخابية في العراق قبل أسابيع من موعد الانتخابات المقررة في نوفمبر.

ويرى المراقبون أن الضجة حول العرض لن تؤثر كثيراً في نتائج المقاعد، لكنها تمثل نموذجاً للخطاب الشعبوي الذي أصبح مألوفاً في الحياة السياسية الكردية.

وتحافظ الأحزاب الإسلامية عادة على تمثيل محدود لكنه ثابت في البرلمانين العراقي والكردستاني: ففي انتخابات 2021، فاز الاتحاد الإسلامي الكردستاني وحزب العدالة الكردستاني بخمسة مقاعد إجمالاً في البرلمان العراقي، بينما حصلا في انتخابات برلمان كردستان الأخيرة على عشرة مقاعد فقط بعد أن كانت 12 في انتخابات 2018.

وفي المقابل، يهيمن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على البرلمان بـ39 و23 مقعداً على التوالي، في حين تمتلك حركة “الجيل الجديد” المعارضة 15 مقعداً.

ومع أن الإسلاميين لا يمتلكون نفوذاً حكومياً حقيقياً، إلا أنهم يؤثرون اجتماعياً من القاعدة الشعبية، مستفيدين من السخط العام تجاه فساد وضعف أداء الحزبين الحاكمين. فهم يقدمون أنفسهم كبديل أخلاقي وديني، ويعززون حضورهم من خلال الأعمال الخيرية، ودروس القرآن، ومساعدة الشباب على الزواج، إضافة إلى نشاط مكثف على وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية.

ومن أبرز وجوههم الملا هالو الذي يستخدم رياضة “الكونغ فو” لجذب الشباب، وهي وسيلة أثبتت نجاحها في التواصل معهم.

كما يستفيد الإسلاميون من تململ السلطة الحاكمة التي تحاول بدورها استيعاب هذا المزاج الشعبي. فقد أسهمت حملاتهم في تعطيل مشاريع قوانين تخصّ مكافحة العنف ضد النساء، كما جعلت من الصعب مناقشة قضايا مجتمع الميم علناً. وبهذا، يمتلك الإسلاميون تأثيراً فعلياً في الحياة الاجتماعية والسياسية رغم ضعفهم الانتخابي.

ويخدم الجدل حول عرض فرقة “هونرگه‌هـ وەلات” الاستراتيجية الشعبوية للإسلاميين، إذ يحرّك قواعدهم الشعبية من دون أن يغير ميزان القوى في الانتخابات. ولا يكمن المغزى الحقيقي في الفوز بمقاعد، بل في تشكيل الخطاب الاجتماعي حول قضايا مثل دور المرأة وحدود الحريات. ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك .