أي انعكاسات إقليمية للضربة الإسرائيلية في قطر

تصعيد يعيد تشكيل التوازنات الإقليمية ورسم التحالفات في الخليج.
الثلاثاء 2025/09/16
بعد الضربة ليس كما قبلها

بينما فشلت الضربة الإسرائيلية في قطر في تحقيق أهدافها العسكرية، نجحت في إثارة سلسلة من التداعيات السياسية والأمنية، أبرزها تقوية موقف الجماعات المدعومة من إيران، وتعقيد علاقات إسرائيل مع محيطها العربي، وإضعاف الثقة بالضمانات الأميركية.

الدوحة - يرى محللون أن الغارات الجوية الإسرائيلية على قطر من المتوقع أن تُعزز عزيمة الجماعات المدعومة من إيران، وأن تقلّص آفاق التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وأن تدفع دولا إقليمية أخرى إلى تبني مواقف أكثر حزما.

وفي الأيام الأخيرة، أدان مسؤولون قطريون وحكومات إقليمية ودول أوروبية، وحتى الولايات المتحدة (التي ورد أنها لم تُبلّغ بالعملية إلا فور وقوعها) الغارات الإسرائيلية التي شنتها إسرائيل في التاسع من سبتمبر على الدوحة.

ولم ينجح الهجوم في القضاء على قادة حماس الذين كانت إسرائيل تستهدفهم، لكنه أسفر عن مقتل ستة أفراد آخرين.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها إسرائيل حليفا وثيقا للولايات المتحدة في التاريخ الحديث، ويزداد الأمر أهمية لمكانة قطر التي تعدّ حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج الناتو، وهي أعلى شراكة أمنية تمنحها واشنطن خارج الحلف.

وجاء في تقرير نشره معهد ستراتفور للدراسات الإستراتيجية والأمنيّة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتنديد بالضربات وحثّه على عدم شن المزيد من الهجمات في قطر. لكن ترامب لم يُشر إلى أن واشنطن ستمنع مبيعات الأسلحة، أو تفرض عقوبات على إسرائيل، أو تعزلها.

وعزز نتنياهو موقفه في الحادي عشر من سبتمبر، معلنا أن قطر يجب أن تطرد قادة حماس أو “تقدمهم للعدالة”، مما يعني ضمنيا المزيد من الإجراءات الإسرائيلية إذا لم تمتثل الدوحة.

ومُنحت قطر وضع حليف رئيسي من خارج الناتو في 2022، وانضمت إلى إسرائيل ومصر والأردن بامتيازات في شراء الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

إستراتيجية إسرائيل الإقليمية

لم ينجح الهجوم في القضاء على قادة حماس الذين كانت إسرائيل تستهدفهم، لكنه أسفر عن مقتل ستة أفراد آخرين

في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، تبنت إسرائيل إستراتيجية إقليمية عدوانية تتضمن القوة التقليدية والمهام السرية والعمليات الحركية ضد خصومها. ونفذت اغتيالات وضربات في سوريا ولبنان وإيران وقطر واليمن. وقد تعهد القادة الإسرائيليون “بالقضاء” على الأعداء في جميع أنحاء المنطقة بدلا من الاعتماد على الاحتواء، واستخدام التصعيد والقوة الساحقة للردع.

وستعزز هذه الضربات عزم الجماعات الإقليمية المدعومة من إيران، مما يزيد من مخاطر الشلل السياسي والاضطرابات والمواجهات العسكرية مع إسرائيل في دول متعددة.

وتأتي هذه الضربات في ظل استمرار مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس، بما سيدعم مزاعم الجماعات المدعومة من إيران بأن المحادثات مع إسرائيل والولايات المتحدة عقيمة، وأن إسرائيل لا تسعى إلا إلى النصر الكامل.

ويعكس هذا الموقف موقف إيران بعد هجمات إسرائيل في يونيو خلال المفاوضات النووية الأميركية – الإيرانية. وسيُشدد حزب الله والميليشيات العراقية والحوثيون مواقفهم.

وسيستغل حزب الله ضربة قطر للتأكيد أن نزع سلاحه سيترك لبنان عرضة للهجمات الإسرائيلية دون حماية.

وسيُعقّد هذا مفاوضات نزع السلاح، ويزيد من الجمود السياسي، ويدعو إلى المزيد من الضغوط الإسرائيلية والأميركية، ويزيد من الانقسامات الداخلية.

وفي العراق، ستُحكم ميليشيات مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق قبضتها على الأسلحة والسلطة، معتبرة الضربات دليلا إضافيا على عدم موثوقية واشنطن، مما يُعقّد مساعي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتحقيق التوازن بين المطالب الأميركية والإيرانية قبل انتخابات نوفمبر البرلمانية.

وفي اليمن، سوف يصور الحوثيون الضربات باعتبارها مبررا لرواية المقاومة التي يعتمدونها، بما سيعزز شرعيتهم ويشجع على المزيد من الهجمات على أهداف أميركية وإسرائيلية، في حين يساهم في تجذير دورهم كروّاد للمقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة. كما ستُعمّق الضربات التي استهدفت العاصمة القطريّة انعدام ثقة العرب بإسرائيل.

السعودية ستُبقي على تجميدها للتطبيع، وقد تُقيّد الإمارات العربية المتحدة التعاون الاقتصادي والدفاعي الذي يجمعها مع الدولة العبرية

وستُبقي السعودية على تجميدها للتطبيع، وقد تُقيّد الإمارات العربية المتحدة التعاون الاقتصادي والدفاعي الذي يجمعها مع الدولة العبرية.

وتُسلّط هذه الحادثة الضوء على عجز واشنطن أو عدم رغبتها في كبح جماح إسرائيل، حتى في الدول الحليفة، بما يُبقي التطبيع مع السعودية مُعطّلا.

وستنظر دول عربية أخرى (سواء كانت مُطبّعة بالفعل أو في طور التفاوض أو بعيدة عن الطاولة) إلى إسرائيل باعتبارها تهديدا أمنيا وعبئا على سمعتها أمام شعوبها.

وعلى الرغم من أنه من غير المُرجّح أن تنسحب الإمارات والبحرين من اتفاقيات أبراهم، إلا أنهما قد تتبنيان خطابا أكثر صرامة، وتُقيّدان العلاقات التجارية، وتُثنيان الشركات المحلية عن التعامل مع الشركات الإسرائيلية، مما يُقوّض أهداف إسرائيل في التطبيع الاقتصادي.

ومن الخطوات المؤثّرة، وإن كانت غير مُرجّحة، فرض الإمارات قيودا على الموانئ على الشحن الإسرائيلي. وبالنسبة للرياض، يُعزّز فشل إسرائيل في ضرب أهدافها المقصودة في قطر، إلى جانب تهديداتها بالمزيد من الضربات، الرأي القائل بأنّ التطبيع مع الحكومة اليمينية المُتطرّفة الحالية في إسرائيل يبقى أمرا مُستحيلا.

وستسعى الدول الإقليمية أيضا إلى تنويع مصادر توريد الأسلحة، مع أخذ عمليات الشراء من تركيا أو الصين أو روسيا في الاعتبار لتقليل الاعتماد على الحماية الأميركية.

وحذّرت الإمارات العربية المتحدة من أن أي ضم إسرائيلي رسمي للضفة الغربية سيتجاوز خطا أحمر، ويهدد اتفاقيات أبراهم. وبينما يُستبعد الانفصال الكامل، فإن الضم سيؤدي على الأرجح إلى تراجع العلاقات وتعليق مشاريع بارزة.

وأوضحت الرياض أن التطبيع يعتمد على التقدم في حل القضية الفلسطينية، وهو أمر بات أقل احتمالا الآن بسبب الهجمات الإسرائيلية على قطر، وخططها لاحتلال غزة، ونواياها في الضم.

وأشارت تقارير إلى أن الإمارات منعت شركات دفاع إسرائيلية من حضور مؤتمر دفاعي في دبي بعد هجمات قطر، متذرعة بـ”مخاوف أمنية”، رغم أن هذا لم يُؤكّد رسميا.

مع تعليق قطر لجهود الوساطة عقب الغارات الإسرائيلية على الدوحة، قد تحاول تركيا سدّ الفجوة من خلال الاستفادة من علاقاتها مع حماس

وستزيد هذه الضربات من حدة المخاوف التركية. وتخشى أنقرة التدخل الإسرائيلي المحلّي والهجمات على مواقعها في سوريا، حيث تتداخل القوات التركية مع عناصر مرتبطة بحماس أو إيران، مما يزيد من خطر نشوب صراع عرضي.

وستزيد الضربات في قطر من مخاوف تركيا بشأن نوايا إسرائيل، على الصعيدين المحلي وفي سوريا، حيث تتباين مصالحهما بشكل حاد.

ومحليا، ستركز الحكومة التركية بشكل أكبر على الأمن، خوفا من تدخل الاستخبارات الإسرائيلية بسبب دعم تركيا لحماس والقضية الفلسطينية. كما تخشى من أن تستهدف إسرائيل الأصول التركية في سوريا إذا اعتُبرت تجاوزا للخطوط الحمراء.

وخارجيا، تواجه القوات التركية، التي تشمل حوالي 25 ألف جندي في سوريا (والتي تنشط بالفعل في بيئة هشة) مخاطر متزايدة من الضربات الإسرائيلية، لاسيما في مناطق وسط سوريا وجنوبها حيث تتداخل عناصر إيرانية أو مرتبطة بحزب الله أو حماس مع القوات التركية.

وقد يخلق هذا ظروفا مواتية لأزمة دبلوماسية أو عسكرية قصيرة على الأقل. ولم يعد بإمكان أنقرة تحمل ضبط النفس الإسرائيلي، وسترد بخطاب متشدد، أو استعراض عسكري، أو إجراءات مدروسة لردع تجاوزات تل أبيب.

ومع ذلك، تُنذر هذه الإجراءات بالتصعيد، حتى لو لم يكن مقصودا. ومع تزايد تقبّل إسرائيل للمخاطر، سيزداد احتمال استهداف مواقع أو أفراد أتراك في سوريا.

وحافظت حماس على وجود سياسي قوي في تركيا لسنوات، حيث كانت شخصيات بارزة، مثل صالح العاروري، تعمل سابقا انطلاقا من إسطنبول، بينما يسعى آخرون للحصول على الرعاية الطبية أو اللجوء إليها.

وقد أشارت تقارير حديثة إلى أن بعض أعضاء حماس تنقلوا بين تركيا وقطر قبيل الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة، مما يؤكد دور أنقرة المحوري في شبكة حماس الإقليمية.

ترامب لم يُشر إلى أن واشنطن ستمنع مبيعات الأسلحة، أو تفرض عقوبات على إسرائيل، أو تعزلها
ترامب لم يُشر إلى أن واشنطن ستمنع مبيعات الأسلحة، أو تفرض عقوبات على إسرائيل، أو تعزلها

ومع تعليق قطر لجهود الوساطة عقب الغارات الإسرائيلية على الدوحة، قد تحاول تركيا سدّ الفجوة من خلال الاستفادة من علاقاتها مع حماس، ودبلوماسيتها الإقليمية النشطة، وتطلعها إلى أن تُعتبر وسيطا في صراعات الشرق الأوسط.

ودأبت السلطات التركية على كشف شبكات الموساد العاملة داخل البلاد. وقيل إن هذه الشبكات تجسست على الفلسطينيين، وجنّدت سكانا محليين لمراقبة الأفراد والمنظمات، وسرّبت معلومات استخباراتية حساسة.

وعلى سبيل المثال، ألقت قوات الأمن التركية القبض على محقق خاص وستة آخرين في مطلع 2024، بتهمة جمع معلومات عن شركات وأفراد من الشرق الأوسط عبر أجهزة تتبع ومراقبة لصالح الموساد، مقابل مدفوعات بالعملات المشفرة.

ومن المرجح أن تدفع التصعيدات الإسرائيلية الأردن نحو تبني موقف أكثر تصادمية، بدعم من دول الخليج، بينما من المتوقع أن تصبح مصر، الأكثر اعتمادا على الطاقة الإسرائيلية والمقيدة بتطورات غزة، أكثر تشككا ودفاعية، لكنها ستواصل نهجها الدبلوماسي البراغماتي تجاه إسرائيل.

وعلى الرغم من أن عمّان عادة ما تتصرف بحذر مع الدولة العبرية، فمن المنتظر أن تتخذ موقفا أكثر حزما خلال الأشهر المقبلة، بالتوافق مع قطر ومجلس التعاون الخليجي الأوسع، خاصة إذا اعتبرت الإجراءات الإسرائيلية تجاوزا لخطوطها الحمراء. وقد تشمل هذه الخطوط الحمراء ضم إسرائيل للضفة الغربية أو تصعيدا أكبر مع إيران يؤدي إلى عبور مقذوفات للمجال الجوي الأردني في أي اتجاه.

وفي هذا السياق، ستدعم دول مجلس التعاون الخليجي (وخاصة السعودية والكويت وقطر، التي تربطها علاقات وثيقة بالأردن وتعطي الأولوية لاستقراره) المملكة خطابيا ودبلوماسيا.

وستعتبر هذه الدول موقف عمّان ضمانة ضد تجاوزات إسرائيل، وستقدم الدعم المالي إذا أضرّ تراجع العلاقات مع إسرائيل بتجارة البلد أو اقتصاده.

وفي سيناريو متطرف، كحرب إسرائيلية – إيرانية أخرى، قد يُصعّد الأردن الوضع بإغلاق مجاله الجوي، وهي خطوة ذات تداعيات عملياتية ورمزية كبيرة على إسرائيل، إذ سبق له أن اعترض مقذوفات إيرانية وسمح للطائرات الإسرائيلية بالمرور بأجوائه.

في حال نشوء أزمة دبلوماسية تستغل فيها إسرائيل هذا النفوذ ضد الأردن، قد يتدخل مجلس التعاون الخليجي بمساعدة مالية لسد الفجوة

ومن شأن هذا الإجراء أن يُعقّد العمليات العسكرية الإسرائيلية والأميركية، حيث يُمثّل انحرافا حادا عن دور الأردن المُعتاد في تحقيق التوازن.

وفي غضون ذلك، سيزداد حذر مصر من الإجراءات الإسرائيلية، لاسيما بسبب اعتمادها على الطاقة الإسرائيلية وحركة أعضاء حماس عبر غزة.

وبينما قد تتبنى القاهرة خطابا أكثر صرامة وموقفا دفاعيا أكثر صلابة، إلا أنها لا تتمتع بنفس مستوى النفوذ الأردني، مما سيُبقي ردّها محدودا نسبيا.

ووقّع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل في 1994، لتطبيع العلاقات وإبرام اتفاقيات أمنية وتقاسم المياه. ورغم صمود المعاهدة، إلا أن العلاقات بين الدولتين شهدت توتّرا لسنوات عديدة، خاصة بخصوص السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالقدس والضفة الغربية وغزة.

ووقّع البلدان اتفاقية لتبادل المياه مقابل الطاقة، بدعم من الإمارات، تلتزم بموجبها إسرائيل بتزويد الأردن بـ200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويا، بينما يبني الأردن محطة طاقة شمسية بقدرة 600 ميغاواط لتصدير الكهرباء إلى إسرائيل.

وتمنح هذه الاتفاقية إسرائيل نفوذا من خلال جعل الأردن يعتمد جزئيا على إمداداتها المائية، مما يمنحها نفوذا دبلوماسيا واقتصاديا على قطاعي المياه والطاقة الحيويين في المملكة.

وفي حال نشوء أزمة دبلوماسية تستغل فيها إسرائيل هذا النفوذ ضد الأردن، قد يتدخل مجلس التعاون الخليجي بمساعدة مالية لسد الفجوة.

وسبق أن قدمت دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات والكويت، للأردن مساعدات مالية كبيرة، شملت منحا وقروضا ميسرة ونفطا مدعوما ودعما للميزانية وضمانات للتمويل الدولي، بهدف تحقيق استقرار اقتصاده، ودعم الخدمات العامة، والتخفيف من وطأة الصدمات الاقتصادية.

ووقّعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام تاريخية في 1979، وكانت الأولى بين إسرائيل ودولة عربية. وصمدت لأكثر من أربعة عقود. ومع ذلك، وسّعت مصر وجودها العسكري في شبه جزيرة سيناء خلال السنوات الأخيرة، وعززت قواتها ومطاراتها وبنيتها التحتية اللوجستية بطرق تعتبرها إسرائيل تجاوزا لشروط المعاهدة الأمنية.

وبررت القاهرة هذه الإجراءات بأنها ضرورية لمكافحة الإرهاب، والأمن الداخلي، ومنع النزوح الجماعي للفلسطينيين من غزة إلى مصر، بينما أعرب مسؤولون إسرائيليون مؤخرا عن مخاوفهم من أن هذه التعزيزات قد تُهدد استمرارية اتفاقية 1979.

7