أمير حسين الهياري.. طبيب رسم المسافات بين التصوف والشعر الحديث
طهران - في فسيفساء الثقافة الإيرانية، يظهر أمير حسين الهياري، كاسم مهم في مجال الأدب والترجمة، من خلال إحياء المعاني الموروثة في بطون الكتب.
وُلد الهياري في مدينة أبهر، الواقعة في إقليم أذربيجان الإيراني (محافظة زنجان حاليا)، العام 1983، وحصل على درجة الدكتوراه التخصصية في الطب، لكنه لم يحبس نفسه بين جدران المستشفى، بل خرج منها إلى فضاءات الشعر والعرفان، ليصنع من كل ترجمة جسرا يعبر فوقه القارئ إلى حدائق المعنى.
الهياري ليس مجرّد مترجم أو شاعر، هو كائن يقف عند تخوم اللغات ليحوّل المعنى من ضفة إلى ضفة، ويقطف العبارات من أشجار النصوص العربية والتركية ويزرعها في بساتين الفارسية فتتفتح أزهارا جديدة بعبق قديم، فعنده، النصوص ليست مجرد كلمات، بل أرواح تنتقل في جسد آخر، تكتسب حياة جديدة وإيقاعا جديدا، حيث لم يكتف بالترجمة السطحية، بل غاص إلى عمق التراث العربي والصوفي.
ومن أبرز ترجماته: كتاب “الكلاسيكيات العربية والصوفية” وكتاب “الحب بلغة أخرى” فضلا عن ترجمة منظومة “ترجمان الأشواق” لابن عربي، وكتاب “على قمم أشعار العشاق”، وترجمة ديوان ابن الفارض المصري إلى الفارسية، وكتاب “تجليات إلهية” وكتاب “الأسرار إلى مقام الأسرى”، فضلا عن ترجمة كتاب “التدبير الإلهي في إصلاح مملكة الإنسانية” لمحي الدين ابن عربي، وكتاب “المتنبي بعد ألف عام” وهو عمل يعيد قراءة إرث المتنبي عبر رؤى نقدية حديثة، كما قام الهياري بترجمة كتاب “الماضي، المكان، الحاضر” عمل أدونيس في ثلاثة مجلدات، وكتاب “تاريخ الأدب العربي المعاصر – كامبريدج”.
وفي أدب الروايات الحديثة ترجم العديد من الروايات منها “الموت الصغير” ورواية “القندس”، وهما روايتان للكاتب والروائي السعودي محمد حسن علوان، الرئيس التنفيذي الحالي لهيئة المسرح والفنون الأدائية في المملكة العربية السعودية، قدّمهما الهياري للفارسية بأسلوب يمزج السرد العربي بليونة الشعر الفارسي، كأنهما أنشودةٌ تُغنّى بلغتين.
وفي مجال النصوص العرفانية والإسلامية ترجم الهياري عددا من الكتب أبرزها كتاب “عنقاء المغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب” لابن عربي، وكتاب “الفتح الرباني والفيض الرحماني” لعبدالقادر الجيلاني، وكتاب “من بطون الأزل: كشف الأسرار ومكاشفات الأنوار” لروزبهان بقلي الشيرازي.
وحصل على وسام الدرجة الأولى في الترجمة الشعرية من مجلس تقييم الفنانين والكتّاب والشعراء في إيران، تتويجا لرحلته بين ضفاف اللغات واعترافا بدوره في وصل الأفقين العربي والفارسي.
ويرى الهياري أن “الترجمة ليست ترديدا للصوت، بل عزف جديد على أوتار المعنى، يوفّر للنصّ الأمانة والجرأة معا، فيحافظ على جوهره ويمنحه روحا جديدة”. ولغة الهياري مثل شال من حرير، تلتفّ حول القارئ وتدعوه إلى الدخول في العالم العرفاني بروح شاعرية.
وليس أمير حسين الهياري مجرّد مترجم أو طبيب، بل هو راسم لجسور خفية بين الشرق والشرق الآخر، بين التصوف والشعر الحديث، بين العلم والفن، وأعماله ليست فقط ترجمات، بل خرائط للروح وممرّات للمعنى، فهو الطبيب الذي يعرف أسرار القلوب، والشاعر الذي يعرف مفاتيح الأرواح، والمترجم الذي يفتح النوافذ على الحدائق المخفية في النصوص.