أكراد سوريا يخشون من تمرد العشائر العربية

محاولات لإنعاش المفاوضات بين قسد ودمشق دون اختراق.
الثلاثاء 2025/09/02
العشائر ورقة يمكن للسلطة الانتقالية الرهان عليها

تخشى قوات سوريا الديمقراطية من إمكانية توظيف السلطة الانتقالية لورقة العشائر للضغط عليها، وهو ما دفعها إلى التحرك وملاحقة عدد من النشطاء الموالين للأخيرة، بالتوازي مع محاولات لإنعاش المفاوضات المتعثرة مع دمشق.

الحسكة (سوريا) – شنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، حملة اعتقالات واسعة طالت أبناء عشائر في محافظة الحسكة على خلفية زيارة قاموا بها مؤخرا إلى العاصمة دمشق.

وتعكس الحملة مخاوف لدى قوات سوريا الديمقراطية من تمرد للعشائر العربية في المنطقة التي تبسط قسد سيطرتها عليها والتي تمثل نحو ثلث المساحة السورية.

وتشهد المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية والسلطة الانتقالية السورية تعثرا منذ نحو شهرين، في ظل تباينات في المواقف حيال جملة من الملفات بينها طبيعة النظام ما بعد المرحلة الانتقالية، وطريقة اندماج مؤسسات الإدارة الذاتية في الدولة السورية.

وتخشى قسد من أن تعمد السلطة الانتقالية إلى توظيف ورقة العشائر للضغط عليها وحشرها في الزاوية، في ظل فيتو دولي ضد أي تصعيد تقوم به القوات الحكومية. وكشفت مصادر محلية أن قوات سوريا الديمقراطية اعتقلت عشرات المدنيين من أبناء العشائر العربية المؤيدين للحكومة السورية في محافظة الحسكة.

قوات سوريا الديمقراطية اعتقلت عشرات المدنيين من أبناء العشائر العربية المؤيدين للحكومة السورية في محافظة الحسكة

وذكرت المصادر أن عناصر قسد شنّت في ساعات الليل (السبت – الأحد) مداهمات متزامنة على أحياء غويران والعزيزية والنشوة والحشمة والزهور. وخلال المداهمات، اعتقلت قسد أكثر من 50 مدنيا من أبناء العشائر، بينهم نساء، فيما أشارت المصادر إلى أن معظم المختطفين كانوا قد زاروا العاصمة دمشق مؤخرا.

في المقابل أوضح أبجر داوود، المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية، لموقع “نورث برس” القريب من الأكراد، الاثنين، أن العملية الأمنية التي نفذت في مدينة الحسكة، جاءت استجابة لتقارير عن تزايد نشاط خلايا تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة.

وأضاف داوود “نفذنا العملية بعد التأكد من وجود تحركات مشبوهة لداعش، ومحاولات لإعادة تنظيم صفوفه في بعض الأحياء”.

ولفت المتحدث باسم قسد إلى أن “الحملة الأمنية اتسمت بالطابع الاستباقي، بهدف منع أي تهديد أمني قد يستهدف المدنيين أو مناطق حيوية، لاسيما محيط السجون التي تضم آلاف المعتقلين من عناصر التنظيم”.

وأشار إلى أن “العملية نُفذت بتنسيق كامل بين قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي ووحدات حماية المرأة، وبمشاركة فرق العمليات العسكرية التي قدمت دعما إستخباراتيا مباشرا”.

وقال المتحدث باسم قسد “خلال العملية، نفذت مداهمات دقيقة، واعتقلت خلايا كانت تُحضّر لهجمات خطيرة”.

وأصدر عدد من الأكاديميين والناشطين والإعلاميين من الحسكة بيانا دانوا فيه اعتقال أبناء العشائر، داعين قسد إلى إخلاء سبيل المعتقلين فورا، معتبرين أن ما جرى يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان.

كما دعا البيان الحكومة السورية إلى تحمّل مسؤوليتها في حماية المدنيين، محذّرا من أن استمرار هذه الممارسات سيؤدي إلى موجة جديدة من التوتر الاجتماعي في المنطقة.

ويرى مراقبون أن هواجس الأكراد حيال إمكانية استنجاد السلطة الانتقالية بالعشائر لها ما يبررها بعد الأحداث الدامية التي جدت في يوليو الماضي في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.

وسبق وأن حصلت مواجهات بين العشائر وقسد في محافظة دير الزور بتحريض من نظام الرئيس بشار الأسد، وتخشى قسد تكرر ذات السيناريو.

هواجس الأكراد حيال إمكانية استنجاد السلطة الانتقالية بالعشائر لها ما يبررها بعد الأحداث الدامية التي جدت في يوليو الماضي في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية

وتعتمد قوات سوريا الديمقراطية حاليا على مسارين متوازيين في التعاطي مع التحدي المثال، الأول يقضي بفتح حوار مع أبناء العشائر، والثاني أمني ويقوم على تتبع النشطاء الذين لا يخفون ولاءهم للحكومة الانتقالية. وفي خضم ذلك تتواصل المحادثات مع دمشق برعاية فرنسية وأميركية على أمل التوصل إلى تسوية تكون مرضية لدمشق ومطمئنة للأكراد.

وتوجد مسؤولة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد منذ الأحد في العاصمة دمشق، حيث أجرت لقاءات مع مسؤولين في وزارتي الخارجية والداخلية في الحكومة الانتقالية، وجهاز الاستخبارات العامة، لبحث استئناف المفاوضات حول تطبيق بنود اتفاق العاشر من مارس.

وتُعدّ هذه الزيارة الثانية للمسؤولة الكردية إلى العاصمة خلال أقل من أسبوعين، وهي تأتي بعد عدة أيام على لقائها مع قائد قسد مظلوم عبدي وفدا أميركيا من مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، في العاصمة الأردنية عمان، حيث بحث الطرفان قضايا تتعلق بالتسوية مع دمشق، بعدما ألغت الأخيرة اجتماعين كانا مقررين في باريس لبحث آلية إدخال الاتفاق المذكور حيّز التنفيذ.

ونقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر كردية مطّلعة قولها إن الزيارة إلى دمشق “تهدف إلى إحياء مسار المفاوضات بين الطرفين، بعد ضغوطات أميركية وفرنسية لاستئنافها”.

ورجحت المصادر “تنازل الإدارة الذاتية عن فكرة عقد الاجتماعات في فرنسا أو أي بلد آخر خارج سوريا، مقابل ضمانات بجدّية المفاوضات”.

واستبعدت المصادر، في الوقت نفسه، إمكانية أن يحقّق هذا الاجتماع “أي خرق جديد”، معتبرة أن “استمرار التدخل التركي في هذه المفاوضات، والسعي لتحقيق مكاسب تركية على حساب المصلحة الوطنية السورية سيجعلان المفاوضات من دون فائدة”.

وشددت على أن “كلا من واشنطن وباريس مُطالبتان بالضغط على أنقرة، لوقف تدخّلاتها السلبية”. وتطالب الإدارة الذاتية الكردية وذراعها العسكرية قسد بتطبيق نظام لا مركزي في سوريا، وهو أمر تعارضه دمشق ومن خلفها أنقرة بشدة.

وفيما بدا محاولة لإبداء مرونة، عرضت السلطة الانتقالية السورية تطبيق لا مركزية إدارية، لكن الأكراد يعتبرونها خطوة غير كافية، ويراهنون على عامل الوقت والمتغيرات الإقليمية لتحقيق مطالبهم بلا مركزية فعلية في سوريا.

2