"أعيدوا لي مدرستي".. تعافي سوريا يبدأ من إعادة الأطفال إلى المدارس
تشكل مبادرة “أعيدوا لي مدرستي” نقطة البداية لإعادة الملايين من الأطفال المحرومين من التعليم إلى مقاعد الدراسة، بإعادة تأهيل المدارس المدمرة وتأمين مستلزماتها وإصلاح دور المعلمين، إذ لا يمكن الحديث عن تعافي البلاد دون تعافي التعليم.
دمشق - يعتبر التعليم من أكثر الملفات إلحاحا وحاجة إلى حلول عاجلة لاستيعاب جيل كامل عانى من تداعيات الحرب في سوريا والانقطاع عن الدراسة في المخيمات والمناطق المدمرة وخسر سنوات من عمره خارج المدارس، وفي هذا الإطار انطلقت مبادرة “أعيدوا لي مدرستي” لوضع الأطفال على سكة التعليم.
وأطلقت وزارة التربية والتعليم السورية الأحد المبادرة لتسليط الضوء على واقع المدارس وخطط الترميم وإعادة التأهيل والبناء، لاستيعاب جميع الطلاب المتسربين من المدارس والعائدين من الخارج ومن مخيمات التهجير.
وأكد وزير التربية والتعليم محمد عبدالرحمن تركو على حق التعليم لكل طفل، وأنه واجب تتحمل الوزارة مسؤولية ترجمته إلى واقع ملموس، وضمانة لكل طفل على كامل الجغرافيا السورية.
وأشار إلى أن الوزارة وضعت خطة طارئة وأخرى إستراتيجية، لمواجهة تحديات صعبة وقاسية في القطاع التعليمي لتأمين حق التعليم.
29
في المئة نسبة المدارس المدمرة بشكل كلي أو جزئي من إجمالي المدارس في سوريا
وتختلف نسبة التسرب في صفوف الطلاب بين مناطق السيطرة التي توزعت قبل 8 ديسمبر الماضي على مناطق سيطرة الرئيس السابق بشار الأسد، ومناطق شمال شرق سوريا، وشمال غرب سوريا.
ففي مناطق شمال غرب سوريا بلغت أعداد الأطفال المتسرّبين من التعليم أكثر من 318 ألف طفل، من بينهم 78 ألفًا داخل المخيمات، بحسب ما ذكره تقرير سابق لمنظمة “منسقو استجابة سوريا”، فيما أقرَّ وزير التربية في حكومة الأسد السابقة دارم طباع بأن نسبة التسرب المدرسي ارتفعت إلى 22 في المئة في مرحلة التعليم الإلزامي عام 2022 فقط، وفي المجمل بلغ عدد الأطفال المتسربين من التعليم في عموم سوريا نحو 2.5 مليون طفل.
وتتعدد الأسباب وراء تسرب هذا العدد الضخم من التعليم، وتحتل الظروف الاقتصادية رأس القائمة، إذ كانت مصاريف التدريس مرهقة بالنسبة إلى أهالي الطلاب، مع اضطرار عدد كبير منهم إلى إخراج أبنائهم من الدراسة وإدخالهم في سوق العمل، للمشاركة في تأمين مستلزمات المعيشة، وتعتبر أزمة التعليم والتسرب المدرسي من أكثر الأزمات تأثيرا على واقع البلاد ومستقبلها.
وتعدّ نسبة الدمار العالية بسبب الحرب التحدي الأبرز حاليا إذ تقدر نسبة المدارس المدمرة بشكل كلي أو جزئي بنحو 29 في المئة من المدارس في عموم البلاد، بحسب تقرير نشرته الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، مع تفاوت تلك النسبة بين مدن وأخرى، وهذا ما أدى إلى اكتظاظ المدارس التي نجت من التدمير في المدن والبلدات الآمنة، وأثّر على جودة التعليم في سوريا بشكل عام.
وأوضح الوزير تركو أن عدد الطلاب داخل المنظومة يبلغ نحو 4.2 مليون طالب، فيما يقف 2.4 مليون طالب خارجها، مع الاستعداد لاحتضان 1.5 مليون طالب عائد إلى الوطن.
وكشف تركو أن عدد المدارس في سوريا يبلغ 19365 مدرسة، 7 آلاف و215 منها بحاجة إلى إعادة بناء أو ترميم.
ويعيش بعض الأطفال في مخيمات لا تتوافر فيها مدارس أساساً، أو في مناطق نائية منعزلة لا يمكنهم الوصول فيها إلى الصفوف الدراسية. وفي بعض الأحيان يُجبر الأطفال على المشي ساعات للوصول إلى أقرب مدرسة، ما يشكّل خطراً على حياتهم، خصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية الهشة التي استمرت طويلاً.
وتفتقر بعض المدارس التي ما زالت تعمل إلى أبسط المقومات التعليمية، كالكهرباء والمياه والتدفئة والمرافق الصحية، بالإضافة إلى نقص الكوادر المؤهلة والكتب المدرسية والمناهج الحديثة. كما يعيش المعلمون والطلاب على حد السواء تحت ضغوط نفسية ومعيشية هائلة، تجعل من العملية التعليمية تحديا يوميا، ما سبب توقف العملية التعليمية أحياناً.
وأشار وزير المالية محمد يُسر برنية إلى استعداد الوزارة لتقديم جميع التسهيلات اللازمة لدعم وزارة التربية في ترميم المدارس. وأبرز أهمية هذا القطاع في إطار إصلاح الأجور وزيادات المعلمين.
ولفت إلى تفعيل الشراكة مع المجتمع المحلي عبر إعفاءات ضريبية لتحفيز المبادرات المجتمعية الهادفة إلى إعادة تأهيل المدارس.
وصدرت عدة تقارير مؤخرا تتحدث عن حصول استنزاف متصاعد في أعداد المعلمين بالمدارس الحكومية، وتوجُّههم نحو الهجرة أو الاستقالة من أجل التفرغ للتعليم الخاص، مع وصول راتب المدرّس إلى مبلغ لا يتعدى 25 دولارًا في أحسن الأحوال لا يكفي لأدني متطلبات العيش.
وتضاف إلى قلّة الكوادر التدريسية مشكلة أخرى وهي انخفاض مستويات الكثير من المعلمين والمدرّسين، لاسيما بعد عام 2015، مع الاعتماد بشكل كبير على معلمين غير مجازين، بسبب موجات الهجرة والاستقالة وحملات الاعتقال والتجنيد، ما أثّر بشكل سلبي على العملية التعليمية، التي أصبحت في الكثير من المناطق والمدارس تقدَّم بنموذج “الحد الأدنى”.
عدد المدارس في سوريا يبلغ 19365 مدرسة، 7 آلاف و215 منها بحاجة إلى إعادة بناء أو ترميم
وأضاف برنية “وجود هذا العدد من الأطفال خارج العملية التعليمية رقم مقلق، ما يستدعي تضافر الجهود لضمان استعادة حق التعليم واستقرار العملية التربوية.”
وأكد التزام الوزارة بمواصلة دعم إعادة بناء المدارس وتأهيلها، بما يضمن استدامة التعليم وبيئة ملائمة للتعلم.
من جهته أوضح وزير الأوقاف محمد أبوالخير شكري أن النظام البائد خلف وراءه أكثر من 7 آلاف مدرسة مدمرة، إضافة إلى أكثر من ألفي مسجد متضرر.
وبيّن شكري أن هذا التحدي يأتي في إطار مسيرة إعادة بناء الإنسان والمجتمع من جديد، حيث يعكس ذلك إرادة السوريين المستمرة في استعادة عافية وطنهم وإعادة بناء بنية التعليم.
ولفت المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) سالم بن محمد المالك إلى أن المبادرة التي أطلقتها وزارة التربية تعبر عن حق كل طفل سوري في التعلم وبناء مستقبل أفضل، وذلك في ظل جهود الحكومة التي تعمل على مداواة الجراح الوطنية، ودعم منظومة التعليم لاستعادة نشاط المدارس.
وهناك جهود من قبل منظمات إنسانية، دولية ومحلية، لإعادة بناء المدارس أو ترميمها، أو توفير تعليم بديل عبر المراكز المجتمعية والصفوف المؤقتة أو برامج التعليم عن بُعد.
وقدمت بعض المبادرات دورات دعم نفسي اجتماعي للأطفال المتضررين، أو وفرت حقائب مدرسية ومواد تعليمية. وتم إنشاء “مدارس خيام” في بعض المخيمات، ولئن كانت تفتقر إلى البنية التحتية إلا أنها وفرت بيئة تعلم مؤقتة.