أزمة المياه تهدد العراق بخلل ديموغرافي خطير
النجف (العراق) - تظهر أزمة المياه السائرة نحو المزيد من الاستفحال والتعقّد في العراق تعرض البلد لمروحة واسعة من المخاطر والتهديدات الخارج بعضها تماما عن حسابات السلطات وإجراءاتها الممكنة للحدّ من الأزمة والتوقي من تبعاتها.
وتطال الأزمة بشكل رئيسي قطاع الزراعة، الأمر الذي لا يهدد فقط الأمن الغذائي للعراقيين، لكنه يحمل ملامح كارثة ديموغرافية تتمثل في إطلاق موجات واسعة للهجرة الداخلية والنزوح من مناطق كانت معروفة بنشاطها الزراعي الكثيف ووفرة منتجاتها وتنوّعها وحتى خصوصيتها وجودتها، وبات سكانها اليوم غير قادرين على مزاولة تلك الأنشطة بسبب ندرة، وأحيانا انعدام، العنصر الأساسي لها وهو المياه.
ويسقط تراجع قطاع الزراعة وتربية الماشية في العراق نتيجة شح المياه أي رهان على القطاع للمشاركة في تنويع مصادر دخل الاقتصاد العراقي التي تكاد تقتصر على النفط، لكنه يهدد بخطر أكبر يتمثّل في إفراغ مناطق شاسعة من سكانها التي بدأ بعضهم بالفعل ينزح باتجاه مدن شديدة الازدحام وضعيفة التخطيط العمراني ومفتقرة للكثير من المرافق الأساسية.
النازحون من المناطق الزراعية بسبب الجفاف يتحولون إلى عبء اقتصادي واجتماعي وأمني على مدن مكتظة أصلا
وبذلك يمكن للسكان النازحين من مناطقهم الزراعية أن يتحوّلوا إلى عبء اقتصادي واجتماعي وحتى أمني على المدن والتجمعات السكانية التي ينزحون إليها، بعد أن كانوا عاملا مساعدا لاقتصاد الدولة وجزءا من نشاط حيوي مستقطب للأيدي العاملة ومدر للثروة.
وفي أول مظاهر هذا الخطر الداهم قال رعد الطفيلي مدير دائرة الهجرة والمهجرين في النجف إنّ المحافظة استقبلت موجة نزوح داخلي جديدة بسبب التصحُّر والجفاف.
وأوضح في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن محافظة النجف استقبلت 742 عائلة نازحة منذ عام 2023، معظمها من محافظة الديوانية لقربها الجغرافي من النجف، مشيرا إلى أن هذه العائلات فقدت أراضيها الزراعية بسبب التصحُّر والجفاف.
وبيّن أن الدائرة لم تسجل أي حالة نزوح داخلي من داخل مناطق النجف نفسها وذلك استنادا إلى المخاطبات الرسمية مع الدوائر المختصة التي أكدت عدم تعرض المحافظة لموجات تصحُّر تؤدي إلى تهجير السكان.
وأشار إلى أن النازحين شُملوا بمساعدات إغاثية وسلال غذائية وصحية وأُدخلت بياناتهم ضمن قاعدة معلومات الوزارة، إلا أن استمرار الدعم مرهون بالتخصيصات المالية غير المتوفرة في الوقت الحالي.
وأضاف ذات المسؤول أن معظم العائلات النازحة كانت تعمل في الزراعة، وأنّه تم التحقق من ذلك عن طريق مخاطبات رسمية مع المحافظات الأصلية لتلك العائلات.
كما أوضح الطفيلي أن أغلب النازحين استقروا في ناحيتي الحيدرية والرضوية ذات الطابع الزراعي، بينما فضلت بعض العائلات السكن في المناطق العشوائية بحثا عن فرص عمل في النشاط التجاري المرتبط بالسياحة الدينية، مبينا أن دائرة الهجرة غير مسؤولة عن تسجيلهم أو شمولهم بالمساعدات.
وتأتي أزمة المياه في العراق بعد أن كانت وفرة الماء تشكل خصوصية للبلد الذي قامت أولى الحضارات الإنسانية على أرضه حول رافديه العظيمين دجلة والفرات.
أزمة المياه في العراق تأتي بعد أن كانت وفرة الماء تشكل خصوصية للبلد الذي قامت أولى الحضارات الإنسانية على أرضه حول رافديه العظيمين دجلة والفرات
كما كان الماء يشكل خصوصية فريدة لبعض المناطق بإيجاده مجتمعات زراعية لا وجود لمثيل لها في أي بلد آخر وهو ما يتجسّد في منطقة الأهوار بالجنوب العراقي موطن مربي الجواميس الذين لم يعد تراجع المياه في تلك المنطقة الرطبة يسمح لهم بمواصلة نشاطهم الفريد والحفاظ على هذا النوع الحيواني كثير الفوائد للمجتمع المحلي لتلك المنطقة.
وخلال سنوات قليلة تحولت مساحات من الأهوار المُدرجة ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي، من مناطق خضراء يغطيها القصب إلى صحراء شاسعة أرضها متشقّقة.
ويشهد عشرات الآلاف من سكان الأهوار، عاجزين، على الموت التدريجي لمصدر رزقهم المتمحور حول تربية الماشية والصيد وصيد الأسماك. وتبقى في بعض أنحاء المستنقعات قنوات مائية قامت السلطات هذا العام بتعميقها كي يتسنّى للجواميس النزول فيها.
وجاء جفاف الأهوار التي تتغذى من أنهار وروافد تنبع من تركيا وإيران المجاورتين، نتيجة لما أقامته الدولتان على نهري دجلة والفرات من سدود.
وتحاول بغداد ترشيد استخدام المياه لتوفير ماء الشرب لستة وأربعين مليون نسمة في البلد وتغطية احتياجاتهم الزراعية، بينما بدأ الحديث يدور عن خطر آخر غير متوقع يتمثل في نشوب صراعات مسلحة على المياه في البلد الذي لا يفتقر لفوضى السلاح الذي لا يقتصر امتلاكه على الدولة، ولكنه موجود أيضا بأيدي الأفراد والعشائر والميليشيات.