أزمة "العصب الاقتصادي" للصحافيين تضعهم في مواجهة مع مجلس النقابة
القاهرة – وضعت الحكومة المصرية مجلس نقابة الصحافيين في مواجهة مع أعضاء النقابة، بعد أن تجاهلت إقرار زيادة مالية، قال نقيب الصحافيين خالد البلشي إنه حصل على وعد بها، وتصاعدت الانتقادات الموجهة إليه، حيث بدا كأنه يتعامل مع هذا الملف بطريقة سياسية، بينما يُعاني غالبية أعضاء نقابة الصحافيين من ظروف معيشية صعبة، تفرض على البلشي المزيد من الجدية في التفاوض مع الحكومة.
وترقب صحافيون تطبيق زيادة جديدة في (بدل التدريب والتكنولوجيا) التي قال البلشي إن الحكومة وافقت عليها قبيل الانتخابات الأخيرة، لكن ذلك لم يتحقق أو تُعلن وزارة المالية عن توفيرها ضمن حزمة الحماية الاجتماعية التي قررت تطبيقها في يوليو الجاري، كبداية للسنة المالية الجديدة، ما ضاعف الضغوط على مجلس النقابة، الذي يضم عددا من المنتمين إلى المعارضة ومستقلين ومؤيدين للحكومة.
وفسر البعض من الصحافيين عدم إفصاح الحكومة عن الزيادة المتوقعة في بدل التدريب والتكنولوجيا، بأنه يحمل إشارة عدم رضا عما آلت إليه نتائج الانتخابات وخسارة مرشح الحكومة على مقعد النقيب عبدالمحسن سلامة عضو المجلس الأعلى للإعلام، رغم أن سلامة أعلن وقت ترشحه حصوله على وعد حكومي بزيادة في البدل قيمتها نحو 30 في المئة.
ويمثل “البدل” العصب الاقتصادي للآلاف من الصحافيين، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يُعانون منها، وتمثل أي زيادة في قيمته المادية مؤشرا إيجابيا على رضاء الحكومة عن الوضع الذي تُدار به النقابة وعلاقتها بالصحافيين، لكن التأخر غير المُعلن أسبابه دفع البعض إلى توجيه اتهامات إلى مجلس النقابة والنقيب، وتحميلهما مسؤولية عدم الإعلان عن الزيادة، ومطالبتهما بموقف محدد منها.
وأعلن وزير المالية أحمد كجوك أن الوزارة في مرحلة مناقشات مستمرة بخصوص زيادة البدل ضمن بنود الموازنة الجديدة، مؤكدا أن الحديث عن نسب محددة غير دقيق، نافيا ما تردد عن أن نسبة زيادة البدل تصل إلى 30 في المئة، “كل ما يقال تكهنات، والمناقشات قائمة، وبمجرد الانتهاء منها سيتم الإعلان رسميا”.
وأعلن خالد البلشي قبل أيام على انتخابات نقابة الصحافيين في مايو الماضي، أنه حصل على مخاطبات رسمية من وزارة المالية بشأن زيادة البدل، وكرر الأمر عقب نجاحه وفوزه على مرشح الحكومة، وأن التطبيق سيكون أمرا واقعيا وبنسب تصل إلى 30 في المئة، وهو تصريح يُعاد توظيفه للضغط على النقيب ومطالبته بالوفاء بتعهداته أمام الجماعة الصحافية، وإلا أصبح متهما بالترويج لأوهام لأغراض انتخابية.
وخرج النقيب قبل أيام ليرد على الأنباء التي تداولها بعض الصحافيين على الفضاء الإلكتروني، من أن الحكومة تُعاقب أبناء المهنة على اختيارهم نقيبا معارضا، وقال “لا يمكن أن أقبل أن أكون أداة عقاب للصحافيين”، مجددا التأكيد على أنه حصل على تعهدات رسمية بزيادة البدل، وسيترك القرار للحكومة كي تُعلن رسميا، وهو تصريح فسره البعض بأنه يشير إلى استسلام مجلس النقابة.
وأمام التخبط الحاصل بين تصريحات وزير المالية وبين كلام نقيب الصحافيين، بدأت الشكوك تتزايد لدى قطاع من الصحافيين، بما ضاعف الضغط على البلشي، والمعضلة أن بعض أنصار المرشح السابق على مقعد النقيب عبدالمحسن سلامة، يستخدمون المشهد الراهن لإظهار البلشي كأنه أخلف بوعوده مع الصحافيين.
ويرى البعض من الصحافيين أن عدم حسم الحكومة لقرار تحسين الأوضاع المادية يبدو متعمدا كي تبعث برسالة إلى النقيب للكف عن إثارة منغصات سياسية مرتبطة بملف الحريات وسجناء الرأي والقيام بدور الحزب السياسي المعارض، والتركيز على هموم الصحافيين ومطالب الأعضاء والتعامل بمرونة مع الحكومة، وإلا ستكون هناك أوراق ضغط يُمكن أن تمارس عليه ويجد نفسه في مواجهة مع الصحافيين.
وإذا كانت تلك الرسائل منطقية، لكن مجلس النقابة يتمسك بالتعامل مع الحكومة بالمزيد من الحكمة والعقلانية والصبر الطويل، بعيدا عن الدخول في صدام يقوض أي خطوة تستهدف الوفاء بالالتزامات المادية التي أعلنها خالد البلشي، وظهر في صمت النقيب أخيرا عن ملف البدل، وأيّ موضوع يثير سخط السلطة بشأن الحريات وسجناء الرأي.
البعض من الصحافيين فسر عدم إفصاح الحكومة عن الزيادة المتوقعة في بدل التدريب والتكنولوجيا، بأنه يحمل إشارة عدم رضا عما آلت إليه نتائج الانتخابات وخسارة مرشح الحكومة على مقعد النقيب
وأكد نقيب الصحافيين السابق يحيى قلاش أن البدل محصن بحكم قضائي ولا يمكن إلغاؤه، وأن الصحافيين يعيشون ظروفا صعبة تستدعي أن تتعامل معها الحكومة بجدية، والبدل ليس منحة بل هو حق مهني لممارسة العمل الصحافي بشكل يناسب تطورات العصر، والدولة لا تتعامل مع النقيب بشخصنة لأنها أكبر من ذلك، ثم إن النقيب له مواقف وطنية مشرفة وقت التحديات الصعبة.
وأضاف لـ”العرب” أن قوة مجلس نقابة الصحافيين في التفاوض على الحقوق المهنية جزء منها يرتبط بقوة الصحافة، والنظرة الإيجابية لها من الحكومة، والنقيب خالد البلشي عندما تحدث عن زيادة البدل لم يستهدف مآرب انتخابية، كما يزعم البعض، ويجب أن تكون الحكومة مرنة في تحسين أوضاع الصحافيين لتؤكد أنها معنية بتطوير الصحافة والحفاظ على العاملين فيها دون أي شروط.
ومنذ نجاح البلشي وفوزه بمنصب النقيب، أخذ بعض الصحافيين عليه دخوله معترك السياسة من بوابة النقابة بإصدار بيانات دورية تتحدث عن شخصيات معارضة مطلوب الإفراج عنها، والمطالبة بحسم ملف سجناء الرأي بلا استثناء، وإجراء تعديلات تشريعية تمنح الصحافيين حريات شبه مطلقة في التصوير وتغطية الأحداث دون حصول على تراخيص مسبقة، واتهم الحكومة بمخالفة الدستور أحيانا.
ويعتقد متابعون لأزمة البدل أن الانزلاق السياسي خطر على نقابة الصحافيين وظهرت تبعاته سريعا، لأنه وضع مجلس البلشي في مأزق مع الحكومة، وأصبح ومجلسه مطالبين بالتعامل بالمزيد من الحذر وفتح قنوات اتصال رشيدة مع دوائر السلطة، بعيدا عن الأدوار السياسية، التي تؤثر على الحقوق المهنية، لأن عكس ذلك سوف يزيد من صدام المجلس مع الصحافيين أنفسهم.
وتُفضّل الحكومة التعامل مع أي ملف يخصّ حقوق الصحافيين بمنهج عقلاني، ولن تُقدِم على منح مكاسب لنقابة لا تتوقف عن إحراجها، بما يخدم أطرافا مناوئة للدولة، وفي توقيت سياسي دقيق، لاسيما أن سلّم نقابة الصحافيين تحوّل مؤخرا إلى منبر لاحتضان بعض الاحتجاجات المرتبطة بالحرب على قطاع غزة، كما شهدت درج النقابة، قبل أيام، مظاهرة تطالب بالإفراج عن نشطاء سياسيين، وهي مظاهرة تبرّأ منها النقيب خالد البلشي.
وتقول أصوات صحفية في مصر إن دور النقابة هو الدافع عن أعضائها المحبوسين على ذمة قضايا رأي، لكن المجلس ونقيبه مطالبان بالتعامل بتوازن وليس الاهتمام بملف سياسي شائك على حساب قضايا خدمية ملحة في ذروة ارتفاع معدلات البطالة بين الصحافيين وعدم التزام المؤسسات بتطبيق الحد الأدنى للأجور، والإخفاق في الدور الخدمي للنقابة يدخلها نفقا مظلما لن تخرج منه بسهولة.