محمّد السادس... العين الساهرة

أراد العاهل المغربي التأكيد، بكل بساطة أن مسيرة التنمية في المغرب مستمرّة وأن هناك عينا ساهرة على تلك المسيرة على الرغم من وجود ثغرات معيّنة.
الأحد 2025/10/12
اهتمام شخصي بالمواطن المغربي وهمومه

يأتي الخطاب المهمّ الذي القاه الملك محمّد السادس في افتتاح السنة الأخيرة من الولاية التشريعيّة لمجلسي البرلمان المغربي في سياق واضح كل الوضوح. يؤكّد الخطاب أول ما يؤكد تجاوز المغرب أسبوع الإحتجاجات التي شهدتها مدن مغربيّة عدّة، من وجدة... إلى أغادير بسبب تدني مستوى الخدمات في مجال التعليم والصحّة. تكمن خطورة هذه الإحتجاجات في وجود قوى متربّصة بالمغرب أرادت استغلال الإحتجاجات وتوظيفها في اتجاه مسلك عنفي مرفوض من المواطن المغربي. 

 استطاع المواطن المغربي فهم أن البلد بلد مؤسسات راسخة قبل أي شيء آخر وأنّ النهج الذي يسير عليه محمّد السادس يستهدف أوّلّا وأخيرا القضاء على أي فوارق بين فئات المجتمع المغربي وبين المناطق. يوجد رابط قوي ثابت بين الشعب والعرش. جعل ذلك من خطاب العاهل المغربي أمام مجلسي البرلمان مصدر راحة وإطمئنان لكل مواطن. 

أراد العاهل المغربي التأكيد، بكل بساطة أن مسيرة التنمية في المغرب مستمرّة وأن هناك عينا ساهرة على تلك المسيرة وذلك على الرغم من وجود ثغرات معيّنة. بين هذه الثغرات عجز الحكومة الحالية عن التواصل المباشر مع المواطن. لذلك جاء محمّد السادس ليطمئن المواطن إلى وجود "توازن بين المشاريع الوطنيّة الكبرى والبرامج الإجتماعيّة لتحقيق تنمية شاملة". 

بعيدا عن المزايدات والمزايدين والإصطياد في الماء العكر، يمكن تلخيص خطاب العاهل المغربي بأنه خطاب طمأنة المواطن المغربي إلى أنّه في يد أمينة. يرتكز ذلك على البعد السياسي في خطاب الملك محمّد السادس الذي يعكس "حرص المؤسسة الملكية على استمرار العمل التشريعي وتحمل السلطة التشريعية المسؤولية إلى آخر لحظة في عمر البرلمان". معنى ذلك أن الشارع لا يسقط البرلمان وأنّ هناك مواعيد فرضها الدستور لا يمكن تجاوزها. في حال فشل البرلمان، يمكن محاسبته عن طريق الانتخابات المقررة السنة المقبلة. إنّه إحترام دقيق لعمل المؤسسات والمواعيد الدستورية لا أكثر، كما في كلّ دولة تحترم نفسها وتحترم القانون والدستور. 

هناك، إضافة إلى ذلك إبراز للدور المحوري للبرلمان والأحزاب في "تفعيل الديموقراطية، وتقوية ثقة المواطن في المؤسسات". هناك أيضا، في الخطاب الملكي "تأكيد للتكامل بين الديبلوماسية البرلمانية والرسمية، وتوسيع مساحة الفعل السياسي في الدفاع عن القضايا الوطنية". توجد قضايا كبرى لا يستطيع المغرب تجاهلها، من بينها موضوع مغربيّة الصحراء حيث حققت المملكة خطوات كبيرة إلى أمام، وهي خطوات تحتاج إلى دعم من كلّ القوى الفاعلة في البلد. 

في الوقت ذاته، توجد في الخطاب "دعوة ضمنية إلى نموذج جديد من الحكامة السياسية يرتكز على النتائج والمحاسبة بدل الخطابات والشعارات". 

أما في ما يخص البُعد الاقتصادي، فقد كان في الخطاب تركيز على "عدالة توزيع الثروات ومردودية الاستثمار العمومي". كذلك، الدعوة إلى "تشجيع الأنشطة الاقتصادية المحلية وخلق فرص عمل، خصوصا في المناطق الهشة". كان هناك "إبراز لأهمية الاقتصاد الأزرق (البحري) وتثمين السواحل الوطنية في التنمية، وتشجيع على مقاربة تنموية رقمية وفعالة ترتكز على المعطيات الميدانية والتكنولوجيا". 

في ما يخص البعد الاجتماعي، تضمّن الخطاب دعوة قوية إلى "تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية كركيزة للتنمية المستدامة". أشار إلى "التركيز على توفير التعليم والصحة وفرص الشغل في المناطق الفقيرة". كذلك، أشار إلى "تعزيز الوعي والتمكين الحقوقي للمواطنين عبر التأطير والتواصل من طرف الفاعلين السياسيين والإعلاميين" مع "تأكيد ضرورة العدالة في الخدمات بين العالم الحضري والقروي". 

يوجد حضور للعرش على كل المستويات والمجالات في المغرب. من الواضح أن الملك محمّد السادس يعرف تماما ما يدور في البلد وهو على علم بكل شاردة وواردة في المملكة بما يعني إهتماما شخصيا بالمواطن المغربي وهمومه. لذلك كانت في الخطاب دعوة إلى "توازن بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الإجتماعيّة لتحقيق تنمية شاملة". بكلام أوضح، لا بد من وجود توازن بين المشاريع الكبرى، بما في ذلك تلك المرتبطة بتهيئة المغرب لإستقبال كأس العالم لكرة القدم، مع إسبانيا والبرتغال، في السنة 2030 من جهة وما يهمّ المواطن المغربي من جهة أخرى على صعيد التعليم والصحّة والخدمات الإجتماعيّة بشكل عام. 

كان خطاب الملك محمّد السادس في مجلسي البرلمان خطاب الرؤية الواضحة والشاملة. كان عمليا خطاب التوازن الذي يأخذ في الإعتبار خصوصية المغرب والحاجة إلى توعية المواطن إلى أن المغرب الصاعد يحتاج إلى تواصل دائم بين الحكومة والمواطن وأعضاء البرلمان. هذه "مسؤولية الأحزاب السياسية أيضا" و "المنتخبين في مختلف المجالس المنتخبة على كل المستويات في كل المناطق، إضافة إلى وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع وكلّ القوى الحيّة للأمّة"، على حدّ تعبير العاهل المغربي.  

وضع الملك محمّد السادس كلّ من في البلد أمام مسؤولياته. توجد أهمّية لكلّ كلمة قالها في وقت يواجه البلد استحقاقات كبيرة وتحديات جسام مع إقتراب الذكرى الـ50 لـ"المسيرة الخضراء" التي سمحت للمغرب باستعادة أقاليمه الصحراوية سلميا. لا يمرّ شهر إلّا وتزداد القضية الوطنية للمغرب قوّة. يترافق ذلك مع مزيد من الإختراقات يحققها المغرب إفريقيا. 

هناك حسد ليس بعده حسد من النجاح المغربي. يفسّر هذا النجاح كلّ هذا التجييش الهادف إلى الإساءة إلى المغرب من داخل المغرب. الثابت أن قوى خارجية تعمل على الإضرار بالمغرب ومسيرته. كلّ ما فعله الملك محمّد السادس، عبر خطابه في البرلمان، بمجلسيه، أن أكّد أن المسيرة المغربيّة مستمرة. المغرب مستمرّ في الصعود في ظلّ مؤسسات ثابتة ومواعيد دستوريّة لا يمكن تجاوزها، بما في ذلك موعد الانتخابات التشريعية المقبلة. بعد هذه الانتخابات المتوقّعة، سيكون لكل حادث حديث، سيتحدد من سيشكل الحكومة الجديدة وهل ستكون أفضل من الحكومة الحالية التي يبدو أنّها باقية ما دامت تتمتع بثقة أكثرية نيابيّة انبثقت عن انتخابات 2022.