سوريا مكبلة أمام الاستهدافات الإسرائيلية

تركيا، ورغم موقفها الرمزي المتحفظ على الضربات ضد سوريا، تحرص على عدم الإضرار بعلاقاتها مع إسرائيل.
الخميس 2025/08/28
تدخلات تحت غطاء "حماية الأقليات"

دمشق- تواصل إسرائيل توجيه ضربات عسكرية لمواقع سورية كان آخرها هجوما استهدف منطقة كسوة جنوب دمشق بطائرات مسيّرة، وأسفر عن مقتل ستة جنود سوريين.

ويأتي الهجوم وسط تصاعد التوترات في الجنوب السوري، خصوصا في محافظة السويداء، حيث تحتدم الأزمة بين السلطة المركزية ومسلحين دروز يطالبون بحكم محلي موسع، وسط دعم إسرائيلي لهذه التحركات.

وإسرائيل، التي لطالما وجدت في الجنوب السوري ساحة رخوة، بدأت تبرّر بعض تحركاتها العسكرية تحت غطاء “حماية الأقليات”، وخصوصًا الدروز، ما يضفي بعدا جديدا على عملياتها داخل سوريا، والذي لا يقتصر فقط على ضرب النفوذ الإيراني بل يمتد إلى التدخل في معادلات داخلية حساسة تحت عنوان “الاستقرار المجتمعي”.

ويعقّد التدخل الإسرائيلي مهمة الحكومة السورية الجديدة التي تحاول بسط سيادتها على الجنوب دون أن تظهر بمظهر المعتدي على مكون اجتماعي له خصوصية سياسية وطائفية.

في ظل هذا التراخي، تواصل إسرائيل تكريس واقع ميداني جديد قائم على الاستهداف المتكرر للمواقع العسكرية السورية، متى شاءت، وكيفما شاءت

ورغم تغير النظام وسقوط بشار الأسد، إلا أن النهج الرسمي تجاه الغارات الإسرائيلية لم يتبدل كثيرا. فلا يزال الصمت هو القاعدة، وردود الفعل تقتصر على بيانات مقتضبة تدين وتشجب دون أن يقترن ذلك بأيّ تحرك ميداني أو دبلوماسي فعّال.

ويواجه النظام الجديد تركة ثقيلة من الضعف العسكري والانكشاف الأمني، ويبدو أنه لا يرى في المواجهة مع إسرائيل أولوية في هذه المرحلة الانتقالية المعقدة، بل يسعى إلى تجنّب التصعيد والانكفاء نحو ملفات الداخل المزدحم بالتحديات.

و لا يبدو أن التعاون الأخير بين دمشق وأنقرة قد انعكس بأي شكل على ملف الاستهدافات الإسرائيلية. فرغم التحول اللافت في العلاقة بين الحكومتين، بعد إبرام اتفاقية التعاون العسكري وتبادل الزيارات الأمنية والتفاهم حول قضايا الشمال والحدود الكردية، إلا أن هذا التقارب لا يترجم حتى الآن إلى شراكة إستراتيجية شاملة يمكن أن تفرض توازنًا جديدًا في وجه الغارات الإسرائيلية.

ويقول مراقبون إن تركيا، ورغم موقفها الرمزي المتحفظ على هذه الضربات، تحرص على عدم الإضرار بعلاقاتها مع إسرائيل، وتتعامل مع ملف الجنوب السوري كأمر ثانوي لا يدخل ضمن أولوياتها المباشرة.

وفي ظل هذا التراخي، تواصل إسرائيل تكريس واقع ميداني جديد قائم على الاستهداف المتكرر للمواقع العسكرية السورية، متى شاءت، وكيفما شاءت.

وتعزز هذه الاعتداءات المتكررة قناعة بأن سوريا ما زالت مكبّلة لا تملك أدوات الردع أو القرار السيادي الكامل لفرض خطوط حمراء. بل إن بعض القراءات تذهب إلى أن إسرائيل اختارت التصعيد تحديدا في هذه المرحلة الانتقالية لاختبار جاهزية النظام الجديد، وقياس مدى استعداده للمواجهة أو التنازل.

pp

ولم يغادر الخطاب الرسمي السوري مربع التنديد والإنكار، رغم أن الشارع، خصوصا في المناطق المتضررة، بدأ يتساءل علنا عن جدوى هذا الصمت، وعن دور الدولة الجديدة في حماية حدود البلاد.

 فالسكوت الطويل لم يعد يبدو خيارا تكتيكيا بقدر ما أصبح تعبيرا صريحا عن عجز مزمن لا تستطيع الشعارات السياسية وحدها التستر عليه.

وقتل ستة جنود سوريين في ضربات نفذتها طائرات إسرائيلية قرب دمشق الثلاثاء، وفق حصيلة جديدة أوردها التلفزيون الرسمي السوري صباح الأربعاء.

وأفادت قناة الإخبارية الرسمية بسقوط “ستة شهداء من عناصر الجيش العربي السوري جراء استهدافات بالطائرات المسيّرة التابعة للاحتلال الإسرائيلي” قرب مدينة الكسوة في ريف دمشق.

وأعربت الخارجية السورية في بيان الأربعاء عن “بالغ إدانتها واستنكارها للاعتداء،” مؤكدة أنه “يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وخرقاً فاضحاً لسيادة سوريا.”

التدخل الإسرائيلي يعقّد مهمة الحكومة السورية الجديدة التي تحاول بسط سيادتها على الجنوب دون أن تظهر بمظهر المعتدي على مكون اجتماعي له خصوصية سياسية وطائفية

ودعت دمشق “المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في وضع حد لهذه الاعتداءات المتكررة.”

وكان مسؤول في وزارة الدفاع السورية قال في وقت سابق إنّ ثلاثة جنود قتلوا في ضربات الطيران الإسرائيلي عند أطراف العاصمة.

وأتت الضربات في الكسوة بعد ساعات على إعلان وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) عن “استشهاد شاب جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في قرية طرنجة بريف القنيطرة الشمالي.”

ومنذ الإطاحة بحكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، شنّت إسرائيل المئات من الضربات على مواقع عسكرية في سوريا، مبررة ذلك برغبتها في الحؤول دون وقوع الترسانة العسكرية في أيدي السلطات الجديدة.

وتوغّل الجيش الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجولان، والواقعة على أطراف الجزء الذي تحتله إسرائيل من الهضبة السورية.

وتتقدم قوات إسرائيلية بين الحين والآخر إلى مناطق في عمق الجنوب السوري. ولا تزال سوريا وإسرائيل في حالة حرب رسميا منذ العام 1948.

وأكد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع منذ توليه الحكم أنّ سوريا لا ترغب بتصعيد مع جيرانها، ودعا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها.

 

اقرأ أيضا:

       • مراجعات الجولاني.. اللحظة الكبرى

1