مصر تعيد رسم علاقتها بسوريا في خضم التصعيد الاسرائيلي
القاهرة – أعلنت مصر دعمها التام لوحدة سوريا ورفضها للغارات الإسرائيلية المتكررة، خصوصاً في الجنوب. ويأتي هذا الموقف وسط تصاعد التهديدات الإقليمية، مما دفع القاهرة إلى مراجعة موقفها من الحكومة السورية الجديدة، بعد أن أبدى الرئيس أحمد الشرع نهجًا معتدلاً في ظل التصعيد الإسرائيلي.
وخلال لقاء جمع وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي بنظيره السوري أسعد الشيباني، على هامش أعمال الدورة الـ164 لمجلس جامعة الدول العربية في القاهرة، جددت مصر موقفها الداعم لسوريا، مشددة على ضرورة احترام السيادة السورية ورفض محاولات فرض أمر واقع عبر العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة.
ويحمل اللقاء بين الوزيرين، الذي يعد الثاني خلال ثلاثة أشهر بعد لقاء سابق في منتدى أوسلو، دلالات مهمة تتجاوز المجاملات الدبلوماسية، إذ يعكس تحولاً في الموقف المصري من حالة تحفظ استمرت لسنوات تجاه دمشق، إلى دفع مدروس لعلاقات تعاون حقيقي في ضوء التحديات التي تواجه المنطقة.
فالقاهرة، التي ظلت لفترة طويلة تمسك العصا من المنتصف حيال الملف السوري، باتت تنظر إلى تعزيز التعاون مع سوريا على أنه جزء من استراتيجية أمن قومي أوسع، في ظل ما وصفه مراقبون بـ"الانفلات الإسرائيلي" في الساحة السورية، والذي تجاوز حدود استهداف ما يُزعم أنها مواقع إيرانية، إلى استهداف مباشر لمواقع عسكرية سورية ومدنيين.
تشير تقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي يسيطر منذ شهور على مناطق استراتيجية في جبل الشيخ السوري، ويحتل شريطًا أمنيًا بعرض يصل إلى 15 كيلومتراً في بعض المناطق الجنوبية من البلاد، إضافة إلى فرض سيطرته على ما يُقدّر بأكثر من 40 ألف سوري داخل المنطقة العازلة. كما تستمر الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع في دمشق وريفها، والتي أسفرت في عدة حالات عن سقوط ضحايا مدنيين وتدمير بنى تحتية عسكرية سورية.
هذه الانتهاكات لم تكن ردًا على تحركات عدائية من سوريا، بل جاءت رغم أن الإدارة السورية الجديدة، التي تشكلت في أواخر ديسمبر 2024 بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لم تُظهر أي نية للتصعيد أو التهديد تجاه إسرائيل.
من منظور مصري، فإن تغوّل إسرائيل في الأراضي السورية لا يهدد سوريا فقط، بل يمثل اختراقًا خطيرًا للمنظومة الأمنية العربية، ويعرض الأمن القومي المصري لمخاطر غير مباشرة، لا سيما مع احتمالية تحول الجنوب السوري إلى ساحة اشتباك دائم قد تمتد تداعياته إلى الجوار الأردني والعراقي واللبناني.
الوزير عبدالعاطي عبّر بوضوح عن هذا القلق خلال اللقاء، مشيرًا إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية تمثل "انتهاكاً صارخاً لأحكام القانون الدولي واتفاق فصل القوات لعام 1974"، الذي أنهى عمليًا حرب أكتوبر، وهو اتفاق تعتبره مصر جزءًا من التوازنات التي حافظت لعقود على الهدوء النسبي في الجبهة السورية.
وبحسب البيان المصري، فإن القاهرة ترى أن إحياء الدور العربي في سوريا لم يعد مجرد مسألة تطبيع دبلوماسي، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة الاختراقات الإسرائيلية المتزايدة، ومنع انهيار ما تبقى من الدولة السورية.
ورغم هذا الانفتاح، لا تزال مصر تدعو إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية، يعزز من استقرار البلاد ويضمن الحفاظ على مؤسسات الدولة، لكن بشروط واضحة تتماشى مع القرارات الأممية ذات الصلة، وتراعي التوازنات الداخلية والخارجية في سوريا.
ويبدو أن القاهرة تراهن على إمكانية أن تلعب الإدارة السورية الجديدة دوراً أكثر انفتاحاً وتعاوناً مع الدول العربية، مقابل دعم سياسي واقتصادي يمكن أن يساعد دمشق على الخروج من عزلتها الإقليمية والدولية.
وتكتسب هذه التحركات بعدًا إضافيًا في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي أعاد الزخم إلى القضية الفلسطينية، لكنه أيضًا أبرز الترابط العضوي بين الساحات العربية المختلفة. فالتهديدات الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على الضفة الغربية أو الجنوب اللبناني، بل تمتد اليوم إلى عمق الأراضي السورية.
لذلك، ترى مصر أن أمن سوريا هو جزء من أمن المنطقة ككل، وأن حماية الأراضي السورية من الانتهاكات الإسرائيلية يمثل خطوة ضرورية لمنع تفتيت الدولة السورية، ولتوجيه رسالة مفادها أن العرب قادرون على التنسيق والردع حين تمس خطوطهم الحمراء.
وفي ظل المشهد الإقليمي شديد التعقيد، تظهر الخطوات المصرية تجاه سوريا كمؤشر على عودة تدريجية للتنسيق العربي، لا سيما في القضايا الأمنية والسيادية. فبينما تتصاعد نيران الحروب والاحتلالات في أكثر من ساحة، تتحرك القاهرة لإعادة ضبط البوصلة العربية نحو موقف موحد يحمي السيادة ويعزز الاستقرار، في وجه أطماع تتجاوز حدود أي خلاف سياسي داخلي.