المنازل الآيلة إلى السقوط مشكلة تزيد معاناة الأسر المغربية

حاجة ملحة إلى إجراءات استباقية وحلول عاجلة لتفادي تكرار المآسي التي تهدد الأرواح.
الثلاثاء 2025/09/16
مصير غامض

تكررت في السنوات الأخيرة حوادث سقوط المنازل المتهاوية في مدن مغربية، وقد خلفت ضحايا في العديد من الأحيان، ما يستدعي حلولا عاجلة لإنقاذ الأسر المهددة ولتفادي تكرار المآسي. ورغم أن قرارات كثيرة صدرت لتخليص المدينة من المنازل الآيلة إلى السقوط، إلا أن معظمها لم يُطبّق. وطالب برلمانيون بحل المسألة، وتوجهوا بأسئلة شفهية وأخرى كتابية لكبار المسؤولين لكن الإشكال لا يزال قائما.

الرباط – أعاد الحادث المأساوي الذي شهده حي درب الجديد بمنطقة باب دكالة في المدينة العتيقة بمراكش، مؤخرا، إلى الأذهان حادث العمارة السكنية بحي بوركن في مدينة الدار البيضاء العام الماضي، وهو ما يسلط الضوء من جديد على الخطر الداهم الذي تمثله المنازل الآيلة إلى السقوط في قلب المدن المغربية، ويفتح النقاش حول الحاجة الملحة إلى إجراءات استباقية وحلول عاجلة لتفادي المآسي التي تهدد الأرواح وتزيد من معاناة الأسر.

وخيم الحزن والأسى على سكان حي درب الجديد بعد أن تحولت جهود الإنقاذ المكثفة التي باشرتها فرق الحماية المدنية والسلطات المحلية إلى مأساة، عقب انتشال جثة عامل ظل محاصراً تحت أنقاض حائط منزل قديم انهار صباح السبت.

ورغم التعبئة الكبيرة التي شهدها الحي لمحاولة إنقاذ العامل، لم تسعفه الأقدار، حيث كشفت عمليات البحث المضني أنه فارق الحياة متأثراً بإصاباته تحت الركام. وقد خلف النبأ صدمة قوية بين سكان المنطقة الذين تابعوا الحادث عن قرب وسط حالة من الذهول والحزن العميق. وباتت المنازل الآيلة إلى السقوط في الأحياء العتيقة قنابل موقوتة قد تنفجر على السكان، في أي لحظة.

وفي مايو 2024 تفاعل رواد مختلف منصات التواصل الاجتماعي مع مقطع فيديو وُصف بالمروّع، وثّق انهيار منزل بدرب لوبيلا في قلب العاصمة الاقتصادية بالمغرب، دون وقوع ضحايا، فيما أصدرت وزارة الداخلية عقب الحادث تعليمات بمراقبة عشرات المنازل الآيلة إلى السقوط وإفراغها بشكل عاجل.

3100

أسرة فقط استفادت من السكن اللائق، من أصل 9250 أسرة كانت مهددة بالموت جراء استقرارها في منازل على وشك الانهيار

وآنذاك بلغت سكان حي لوبيلا تعليمات مفادها أنه خلال أيام قليلة سيتم هدم جزئي لعشرات المنازل، كما ستتم مُعالجة مشكلة عدد من المنازل المهترئة في الأحياء العتيقة، فيما رُصدت ضمن مجموعات مُغلقة على منصات التواصل الاجتماعي شكاوى الأهالي المتواصلة وتخوْفاتهم.

وتوجد داخل أزقة المدينة القديمة، في الدار البيضاء، عدّة منازل متهالكة، بات انهيارها مسألة وقت؛ خاصة أنها تتواجد دون سياج يحمي السكان المجاورين والمارة.

وقال متساكنو كل من درب لوبيلا والدالية، في الجزء القديم من مدينة الدار البيضاء، إنهم بين الحين والآخر تبلغهم تعليمات بالإخلاء، وتعليمات أخرى بالهدم، لكنهم يستفسرون: إلى أين سيذهبون، فالتعويضات لم يحصل عليها الجميع، وهي زهيدة أصلا.

وبحسب عدد من المعطيات، فإنه على امتداد سنتين عاشت مقاطعة مرس السلطان وحدها على إيقاع إصدار ما يُناهز الـ828 قرارا، تخص الهدم الكلّي، وأخرى للهدم الجزئي، وأخرى تهم التدعيم. غير أنها قرارات لم تُنفّذ.

وتصل المباني التي تم إحصاؤها في وقت سابق، واتّخذ في حقها قرار يقضي بالهدم، إلى 2180 بناية، بينما سيتم هدم جزئي لـ956 بناية، على أن تتم معالجة مشكلة 2921 بناية مهترئة، وذلك بحسب معطيات رسمية على مستوى مدينة الدار البيضاء.

وفي وقت سابق كشفت الوكالة الحضرية للدار البيضاء أن 3100 أسرة فقط، من أصل 9250 أسرة كانت مهددة بالموت في المدينة القديمة جراء استقرارها في منازل على وشك الانهيار، استفادت من السكن اللائق، وهو ما يشكل 34 في المئة. ورغم أن قرارات كثيرة صدرت لتخليص المدينة من المنازل الآيلة إلى السقوط، إلا أن معظمها لم يُطبّق.

وكانت فرق برلمانية عديدة قد طالبت بحل ذلك الإشكال، إذ سبق للبرلماني عن حزب العدالة والتنمية، عبدالصمد حيكر، أن أكّد على “ضرورة معالجة المباني الآيلة إلى السقوط بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان،” وذلك في سؤال كتابي، وجّهه إلى وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري.

واستفسر حيكر بخصوص تدخلات الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة إلى السقوط بتشخيص النسيج العمراني القديم، من أجل تصنيف البنايات التي يمكن أن تكون مهددة بالسقوط، وعن خلاصات هذا التشخيص إن تم، وبرنامج التدخلات الذي تقرر من أجل معالجة هذه المشكلة، وكلفتهما.

po

كذلك طالبت البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، في عدد من المرّات بـضرورة تدخل وزارة الداخلية، لحل مشاكل الدور المتهالكة بالمدينة القديمة في العاصمة الاقتصادية.

وفي سؤال كتابي، كانت قد وجّهته إلى وزير الداخلية، أكّدت على أهمية “إشراك السكان في تأهيل منازلهم وضمان استقرارهم، حفاظا على التراث العمراني، إذا كان من الضروري إخلاء الدور الآيلة إلى السقوط وإعادة إسكان قاطنيها،” مشيرة إلى أنه من حق السكان الاستقرار والعيش الكريم في بيئة هم مرتبطون بها ارتباطا وطيدا.

واستنكرت منيب، في الوقت نفسه، ما وصفته بـتحوّل مشاريع الإصلاح والتأهيل والهدم الجزئي إلى هدم كلّي، حتى بالنسبة إلى المنازل التي قام أصحابها بإصلاحها، مبرزة أن الأسر باتت وضعيتها مقلقة.

وفي قراءة للقانون 12 – 94 المتعلق بالمباني الآيلة إلى السقوط، فإنّه طبقا للمادتين 7 و8 يجوز الطلب كتابة، من عامل العمالة أو الإقليم المختص ترابيا، استخدام القوّة العمومية، وذلك لضمان التنفيذ الفوري لقراراته وسلامة الأشخاص المكلفين بتنفيذ الأشغال المقررة.

ووفق المادة 20 من القانون نفسه، فإنه في جميع الأحوال يعتبر القرار المتخذ من طرف رئيس الجماعة نافذا بمرور أجل شهر من تاريخ اتخاذ إجراءات التبليغ.

وبحسب المواد 18 و19 و21 من المرسوم التطبيقي للقانون، فإن المدة الزمنية من أجل توجيه المحضر والتقرير إلى رئيس مجلس الجماعة، قصد اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة، حُدّدت داخل أجل لا يتجاوز السبعة أيام في الحالات العادية، والثماني والأربعين ساعة في الحالة الاستعجالية.

وتوجد داخل أزقة المدينة القديمة، في الدار البيضاء، عدّة منازل متهالكة، بات انهيارها مسألة وقت؛ خاصة أنها تتواجد دون سياج يحمي السكان المجاورين والمارة

ويعرّف القانون رقم 94.12، المتعلق بالمباني الآيلة إلى السقوط وعمليات التجديد العقاري، المبنى الآيل إلى السقوط بأنه بناية أو منشأة كيفما كان نوعها يمكن لانهيارها الكلي أو الجزئي أن يترتب عليه مساس بسلامة شاغليها أو مستغليها أو المارة أو البنايات المجاورة وإن كانت غير متصلة بها.

وهو أيضا “كل بناية أو منشأة لم تعد تتوفر فيها ضمانات المتانة الضرورية بسبب ظهور اختلالات بأحد مكوناتها الأساسية الداخلية أو الخارجية أو بسبب تشييدها على أرض غير آمنة من التعرض للمخاطر.”

ووضع القانون ذاته مسؤولية صيانة المباني الآيلة إلى السقوط على عاتق مالكيها سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، وحمّلهم مسؤولية الضرر الذي يحدثه انهيارها أو تهدمها الجزئي، إذا وقع بسبب عيب في البناء أو عدم الصيانة أو التلاشي.

ويفرض المشرع على مالك أو مستغل البناية الآيلة إلى السقوط أن يقوم بالتدابير الضرورية والاستعجالية لدفع الخطر في هذا الشأن، كما من واجبه تجديدها وصيانتها وإعادة تأهيلها بما يضمن سلامتها وسلامة الجوار، بحسب ما نصت عليه المادة الرابعة من القانون 94.12.

ومن واجب كل مكتر أو شاغل أو مستغل لمبنى آيل إلى السقوط أن يشعر رئيس المجلس الجماعي والسلطات المحلية، بكل وسائل التبليغ المعتمدة قانونا، بالخطر الذي يشكله المبنى الآيل إلى السقوط، في حين تتمثل مسؤولية رئيس الجماعة في قرارات تقضي بتدعيم أو هدم المبنى الآيل إلى السقوط مع تدخله في حال وجود خطر من أجل درء ذلك الخطر.

وتتمثل مسؤولية رئيس الجماعة، بعد توصله بتقرير مكتوب من طرف اللجنة الإقليمية أو المراقبين، في أن يتخذ قرارا ويخبر به مالك المبنى، ويحدد هذا القرار العمليات الواجب القيام بها، والأجل مع إمكانية تضمينه المنع المؤقت أو النهائي من الولوج للمبنى المعني، ونص القانون على فرض قرار استعجالي في حال كان المبنى يشكل خطرا يهدد شاغلي المبنى أو المارة.

القانون رقم 94.12 وضع مسؤولية أيضا على عاتق عامل العمالة أو الإقليم، حيث نص على ممارسته لمهام رئيس الجماعة إذا تعذر على الأخير لأي سبب من الأسباب اتخاذ الإجراءات الموكولة إليه أو امتنع عن القيام بها، وذلك بأن يطالبه بأداء مهامه ويحيل الأمر على القضاء الاستعجالي بعد انقضاء أجل سبعة أيام.

15