الحلم الإسرائيلي المستحيل!
يحاول اليمين الإسرائيلي ممثلا بحكومة بنيامين نتنياهو الذهاب إلى النهاية في استغلال هجوم “طوفان الأقصى” سعيا وراء حلم مستحيل. يتمثل هذا الحلم بإلغاء الشعب الفلسطيني من الوجود من جهة وتكريس الاحتلال للضفة الغربية من جهة أخرى.
أدى الهجوم الذي شنته “حماس” في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر 2023، إلى كارثة على الصعيد الفلسطيني. لكن ليس في الإمكان الهرب إلى ما لا نهاية من خيار الدولتين هذا إذا كانت إسرائيل تريد العيش كدولة طبيعية بين دول المنطقة، أي من دون حلم مستحيل لا يمكن تحقيقه في يوم من الأيّام. تعود استحالة تحقيق مثل هذا الحلم إلى أنّ ليس في الإمكان تجاهل وجود شعب يعيش على أرض فلسطين منذ مئات السنين ويمتلك حقوقا مشروعة تعترف بها الأمم المتحدة. لو كان ذلك ممكنا، لما وقعت إسرائيل اتفاق أوسلو في خريف العام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الشعب الفلسطيني من جهة وتسعى إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة من جهة أخرى.
تحملت المملكة العربيّة السعودية وفرنسا مسؤولياتهما ونظمتا مؤتمرا دوليا لتأكيد أنّ لا خيار آخر، في نهاية المطاف، غير خيار الدولتين… أي دولة فلسطينية مسالمة تعيش إلى جانب دولة إسرائيل التي يفترض بها الخروج من أسر يمين إسرائيلي متطرف يعتقد أن في الإمكان قيام “إسرائيل الكبرى”، التي تظلّ حلما مستحيلا، لا لشيء سوى لأن إسرائيل في حاجة أيضا إلى فترة هدوء بعيدا عن الحروب…
◄ المنطقة لا تحتاج إلى الترويج لأحلام مستحيلة مقدار حاجتها إلى نوع من الاستقرار في وقت تلوح في الأفق معركة كبيرة هي معركة مستقبل إيران والنظام القائم فيها…
الأهمّ من ذلك كلّه أن البيان الصادر عن المؤتمر الخاص بخيار الدولتين يؤكد أنّ لا مستقبل لـ“حماس” وفكرها المتحجر، فكر الإخوان المسلمين، الذي تسبب بكارثة “طوفان الأقصى”. لا مكان في فلسطين، في غزّة تحديدا، لـ“حماس” وسلاحها وقيادييها في حال كان مطلوبا تحقيق الاستقرار في المنطقة من جهة وأن تكون الدولة الفلسطينية جزءا من هذا الاستقرار من جهة أخرى.
لهذه الكارثة، كارثة “طوفان الأقصى”، إيجابياتها على الصعيد الإقليمي في حال وضعنا جانبا مأساة غزّة التي تتمثل في مصيبة حلت بالقضيّة الفلسطينية ككل وبالقطاع وأهله بشكل خاص. من بين أبرز الإيجابيات خروج إيران من سوريا وهو تطور ذو أبعاد تاريخية على الصعيد الإقليمي. أزال هذا التطور قوّة إقليمية وضعت نصب عينيها عرقلة أي تسوية من أي نوع تخص الفلسطينيين مستخدمة بشكل خاص وجودها في سوريا وسيطرتها على النظام العلوي الذي كان قائما فيها حتّى نهاية 2024.
لماذا لا مفرّ من دولة فلسطينية؟ مع مرور الوقت، لن تستطيع أي حكومة طبيعية في إسرائيل تفادي سؤال في غاية البساطة: ما العمل بنحو ثمانية ملايين فلسطيني ما زالوا يعيشون على الأرض التاريخية المسماة فلسطين. هناك ما لا يقل عن مليوني فلسطيني في داخل إسرائيل نفسها، وهناك نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني في الضفّة الغربية… وهناك ما يزيد عن مليوني فلسطيني في غزّة. هل في استطاعة إسرائيل تذويب هؤلاء؟
عاجلا أم آجلا، لا مفرّ من حل سياسي ستبحث عنه إسرائيل التي لن تكون قادرة على البقاء في حال استنفار عسكري دائمة. شئنا أم أبينا، لا تمتلك إسرائيل قوة بشرية تسمح لها بحرب لا نهاية لها قائمة على فكرة تكريس الاحتلال. لا مستقبل للاحتلال في منطقة تحتاج، أول ما تحتاج، إلى نوع من الاستقرار الذي سيكون الفلسطينيون في حاجة إليه أيضا مثلهم مثل الإسرائيليين.
◄ لكارثة "طوفان الأقصى"، إيجابياتها على الصعيد الإقليمي في حال وضعنا جانبا مأساة غزّة التي تتمثل في مصيبة حلت بالقضيّة الفلسطينية ككل وبالقطاع وأهله بشكل خاص
تقتضي الواقعية نوعا من العودة الإسرائيلية إلى السياسة بديلا من حرب التجويع التي يتعرّض لها الفلسطينيون في غزّة. لا تقدّم هذه الحرب ولا تؤخّر باستثناء أنّها تكشف إفلاسا إسرائيليا على كلّ صعيد باستثناء استخدام القوّة العسكريّة في وجه شعب أعزل يبحث عن رغيف خبز. لكنّ الواقعية السياسيّة تعني أيضا ضرورة وجود موقف عربي موحّد يحدّد ما هي مواصفات الدولة الفلسطينيّة المطلوب أن تكون على خارطة الشرق الأوسط. الحاجة إلى تحديد دقيق لمواصفات الدولة الفلسطينية كي لا تتكرّر تجربة قطاع غزّة الذي انسحبت منه إسرائيل كلّيا في مثل هذه الأيام من العام 2005.
نعم، ثمة حاجة إلى وقف الوحشيّة الإسرائيلية، لكن الحاجة الأكبر إلى تحديد مواصفات الدولة الفلسطينية المستقلّة “القابلة للعيش” كما ورد قبل سنوات طويلة على لسان الإدارات الأميركية التي كانت تسعى إلى تسوية سياسية في الشرق الأوسط. متى تتحدّد مواصفات الدولة الفلسطينيّة المستقلّة، يصبح في الإمكان الحديث عن مستقبل فلسطيني أفضل. لا شكّ أن تشديد البيان، الصادر عن المؤتمر السعودي – الفرنسي الخاص بخيار الدولتين، على ضرورة التخلّص من سلاح “حماس” خطوة في الاتجاه الصحيح. لا دولة فلسطينية مستقلة يمكن أن تبصر النور يوما بوجود “حماس” التي هي رديف لليمين الإسرائيلي وفكره المريض.
لا فائدة من أي كلام عن دولة فلسطينية مستقلة من دون التشديد على أهمّية الانتهاء من سلاح “حماس”. لم يكن هذا السلاح يوما سوى سلاح في خدمة اليمين الإسرائيلي من جهة وشبق الإخوان المسلمين، الذي لا حدود له، إلى السلطة من جهة أخرى.
الأكيد أن الحاجة، أكثر من أي وقت، إلى وقف إسرائيل حربها على غزّة، لكن الأكيد أيضا وجود حاجة إلى موقف عربي يحدد مواصفات الدولة الفلسطينية المستقلّة. من هنا تبرز أهمّية المبادرة السعوديّة – الفرنسيّة التي شرحت تماما ما المطلوب من “حماس”، إن لجهة السلاح أو لجهة إطلاق الرهائن الإسرائيليين… في حال كان مطلوبا قيام الدولة الفلسطينية يوما، بدل أن تكون مجرّد حلم مثل حلم قيام “إسرائيل الكبرى”!
لا تحتاج المنطقة إلى الترويج لأحلام مستحيلة مقدار حاجتها إلى نوع من الاستقرار في وقت تلوح في الأفق معركة كبيرة هي معركة مستقبل إيران والنظام القائم فيها…
اقرأ أيضا:
• الإخوان يحيون وعود محمد مرسي لتهجير الفلسطينيين
• سردية التخوين الفلسطيني.. كيف تحولت المظلومية إلى ابتزاز سياسي