التلوث المناخي يتسارع والعالم يبطئ في الاستجابة
جنيف ـ في تقرير حديث صدر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، تم الكشف عن أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سجّل العام الماضي أكبر زيادة منذ بدء القياسات الحديثة عام 1957.
هذه القفزة غير المسبوقة في مستويات الغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، تعكس واقعا بيئيا مقلقا، وتدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل المناخ العالمي.
تأتي هذه البيانات في وقت تتزايد فيه التحذيرات من أن العالم يسير بخطى ثابتة نحو تجاوز العتبة الحرجة التي حددها اتفاق باريس للمناخ، والمتمثلة في الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. لكن الواقع يشير إلى أن هذه العتبة باتت مهددة، مع تسجيل درجات حرارة غير مسبوقة، وذوبان متسارع للأنهار الجليدية، وحرائق غابات واسعة النطاق، وكلها مؤشرات على اختلال التوازن المناخي.
وتُعد الغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، المحرك الأساسي لظاهرة الاحتباس الحراري. وتكمن خطورتها في طول عمرها في الغلاف الجوي، حيث يمكن لجزيئات ثاني أكسيد الكربون أن تبقى لعقود، بل لقرون، مما يعني أن تأثيراتها لا تقتصر على الحاضر، بل تمتد لتشكل عبئا على الأجيال القادمة. أما الميثان، فرغم قصر مدة بقائه نسبيا، إلا أن تأثيره الحراري يفوق ثاني أكسيد الكربون بأضعاف، ما يجعله عاملا مسرّعا في تفاقم الأزمة.
ولم تكن الزيادة القياسية في هذه الغازات نتيجة طبيعية فحسب، بل ساهمت فيها أنشطة بشرية مكثفة، مثل حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، والأنشطة الصناعية والزراعية غير المستدامة. كما لعبت ظواهر مناخية مثل “النينيو” وحرائق الغابات دورا في تفاقم الوضع، عبر تقليل قدرة الغابات على امتصاص الكربون، وزيادة الانبعاثات الناتجة عن الاحتراق.

وفي ظل هذا المشهد، دعت الأمم المتحدة إلى تحرك عاجل وحاسم لخفض الانبعاثات، محذّرة من أن التأخير في اتخاذ الإجراءات سيؤدي إلى نتائج كارثية، ليس فقط على البيئة، بل على الاقتصاد والصحة العامة والأمن الغذائي. فارتفاع درجات الحرارة يهدد المحاصيل الزراعية، ويزيد من انتشار الأمراض، ويؤثر على مصادر المياه، ويؤدي إلى نزوح سكاني في المناطق المتضررة.
لكن رغم خطورة الوضع، لا تزال الاستجابة العالمية دون المستوى المطلوب. فالدول الكبرى، المسؤولة عن الجزء الأكبر من الانبعاثات، لم تلتزم بعد بخطط واضحة وملزمة لخفض الانبعاثات. كما أن الاعتماد على “مصارف الكربون” الطبيعية مثل الغابات والمحيطات، لم يعد كافيا، في ظل تراجع قدرتها على امتصاص الكربون بسبب التدهور البيئي.
الحل لا يكمن في التكيف مع الأزمة فحسب، بل في إعادة هيكلة أنظمة الاقتصاد والطاقة، والانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة، وتعزيز الابتكار في تقنيات احتجاز الكربون، وتغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج. كما أن العدالة المناخية يجب أن تكون جزءًا من الحل، عبر دعم الدول النامية في جهودها للتكيف والتحول البيئي.
في النهاية، فإن تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ليس مجرد بيان علمي، بل هو صرخة تحذير من كوكب يختنق، ومن مستقبل قد لا يكون صالحا للعيش إذا استمرت السياسات الحالية على حالها. التحرك الآن لم يعد خيارا، بل ضرورة وجودية.